أقلام حرة

جذور الفساد في العراق (3)

mudar alhilw2- الفساد الاقتصادي: كانت بداية انهيار الاقتصاد العراقي إبان القرار الارعن الذي اتخذه المقبور صدام في الحرب على ايران. فقد دخل العراق الحرب ولديه فائض مالي يزيد على 30 بليون دولار وعوائد نفطية تقارب العشرين بليون دولار سنويا ،ليصل بالعراق قبيل سقوط نظامه الى عجز يزيد عن ثلاثمائة بليون دولار (من مقال للكاتب غسان العطية في جريدة الحياة الصادرة بلندن العدد 14054 بتاريخ 7/9/2001) ، أضف الى ذلك ماتركه الحصار من تدمير كامل لبنية البلد التحتية والفوقية على الصعد كافة بعبارة اخرى خلفت سياسات النظام البائد بلدا محطما وشعبا منهكا تعرض الى عملية تجويع قاسية جدا .نعم لو ان الحكام الجدد بعد 2003 كانوا بمستوى المسؤولية ولم يبددوا ثروات البلد بلصوصيتهم وفشل ادارتهم لكانت وارداته تكفي لاصلاح كثير مما افسده نظام صدام الساقط .

3- الفساد الاداري: ذكرت سابقا ان اقسى فترة مدمرة مرت على العراق هي فترة حصار التسعينات من القرن المنصرم اذ بلغ مرتب الموظف البسيط ثلاثة آلاف دينار اي مايعادل دولارا واحدا والضابط الكبير في الجيش، او الأستاذ الجامعي يتقاضى في حدود تسعة آلاف دينار اي مايعادل ثلاث دولارات علما ان هذا المبلغ يعادل ثلاث طبقات من البيض ،فكان لابد للشخص ان يستعين بعمل اخر كي يتمكن من توفير الحد الأدنى مما يسد الرمق له ولعائلته مما أتاح للرشوة ان تتفشى في المجتمع بطريقة غير مسبوقة لم يعتد عليها العراقيون بهذا الشكل المرعب، حيث بلغت حدا ان بعض المحكوم عليهم بأحكام ثقيلة ربما تصل للإعدام قد ينجو ويطلق سراحه بقليل من المال ولنا على ذلك شواهد عديدة .للقاريء الكريم ان يتصور مدى الانهيار القيمي والاضطراب النفسي الذي يعانيه ضابط كبير كان ممتلأ شموخا وكبرياءا وعزة  اضطر تحت مطرقة الحاجة ان يقبل رشوة من جندي تحت امرته مقابل ان يعفيه من مسؤولياته ،او موظف كبير الجأه العوز وقلة ذات اليد ان يعرض على الرصيف بضاعته التي لاتتعدى بعض قطع من ملابس داخلية بعد ان ينهي عمله في دائرته، بل وصل التدهور حدا مخيفا حين يعلن راس النظام آنذاك اباحة تقاضي الرشوة؛ فيصبح الفساد مقننا والرشوة ممارسة مقبولة ،وماكان يأنف منه الكثيرون أمرا عاديا جدا ،بل صار يحسب نوعا من التكسب المشروع قانونا، طبعا كلامنا هذا لايعني انعدام الاستثناءات ولكننا نتحدث عن الحالة العامة التي تشكل ظاهرة . فكانت هذه جذور الفساد وبداية تهاوي الحصون النفسية المنيعة للشخصية العراقية وخسارة غالبية أفراد الشعب الشعور بالكرامة بعد ان هانت عليه نفوسهم، هذه هي الاسس الاولى لما يعانيه العراق من تفشي ظاهرة الفساد الان ،فهي لم تكن وليدة اليوم كما يحاول البعض إيحائه بقصد او بدونه ،خصوصا وان الحكومات التي توالت على حكم العراق بعد سقوط النظام لم تهتم بعلاج هذه الظاهرة السلبية من خلال وضع برامج علمية تعيد للإنسان العراقي ثقته بنفسه ليتجاوز الانكسارات النفسية الهائلة التي أصيب بها كما وتضع برامج تربوية للأطفال لتنشئتهم تنشئة تستقبح هذه الممارسات.

4- التراجع الثقافي والعلمي: ان أخطر قرارين تكفلا بتدمير التعليم في العراق، وتراجع المستوى الثقافي، وضمور الوعي اتخذهما راس النظام المباد إبان الحرب العراقية الإيرانية مطلع الثمانينات كي يزج باكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع في محرقته تلك ؛حيث شكل هذان القراران بداية الانهيار والتردي الذي اصاب التعليم والثقافة في العراق فيما بعد، ومن اهم الأسباب التي أدت الى مانشهده اليوم من حالة مأساوية يعاني منها التعليم وتشهدها الثقافة ،اذ تسببا في انتشار الأمية بصورة مرعبة في المجتمع العراقي ؛القرار الاول كان إلغاء قانون إلزامية التعليم مما تسبب في انتشار الأمية في أوساط الشباب ،والثاني إلغاء قانون محو الأمية حيث قفزت نسبة الأمية الى معدلات غير مسبوقة بلغت 25-30% منهم 60% من النساء ،وعلى صعيد اخر استطاع نظام البعث نتيجة سياسة الترهيب والترويع التي عرف بها ان يحول جيش من الأدباء والمثقفين الى رداحين يسبحون بحمده صباحا مساءا، أقول ذلك مستثنيا منهم من واجهوا طغيان النظام وشراسته ودفعوا جراء ذلك ثمنا باهضا، كل ذلك أدى الى ضعف الدور الذي ينبغي ان تقوم به النخب المثقفة في عملية البناء والإصلاح في العراق الجديد كما افسح المجال لسياسيي الصدفة والأميين ان يتسلقوا الى مواقع القرار ويقودوا البلد الى الانهيار الشامل. فلم يكن تراجع مستوى التعليم والوعي وليد مابعد عام 2003 كما يروق للبعض تصويره .

أكرر مانوهت له في البدء من أنني لم أسق كل ذلك كي أبرر فساد واخطاء وفشل، وربما جرائم من تقلد الحكم في العراق الجديد ولكن كي أرد على محاولات تبرئة النظام المقبور او التأسف عليه وتمني عودته وكأن قدر العراق المحتوم أن يبقى بين نظام قمعي بشع ونظام فاسد متخلف.

 

في المثقف اليوم