أقلام حرة

طارق الكناني: إلى متى سيبقى أدباؤنا يدفعون ثمن كلمتهم!؟

tariq alkinaniكان على كرسيّه المدولب حين إستقبلني بإبتسامته المعهودة , وبدأ كلامه بنبرة عتب مهذّبة بسبب إنقطاعي عن زيارته هذه المدة الطويلة وحين أستقر بنا المقام في وسط مكتبته بدأنا نتجاذب أطراف الحديث بدءاً بصحته وإنتهينا بآخر كتاباته .

إنه الكاتب والصحفي والأديب والشاعر والحقوقي (حسين فهمي الخزرجي) والحقيقة إني وجدته حاضر الذهن له ذاكرة رائعة حديثه ينقلني الى أجواء وعوالم كنت أتمنى أن أعيشها ولكنه ثبتّها في مؤلفاته أو بالأحرى مخطوطاته التي لم تر النور لحد الآن وأستغربت من كثرة المخطوطات حيث بلغت أكثر من (26) مخطوط وبمختلف المواضيع منها الأدبية والسياسية والشعر والقصة والقانون ...... وأنا أتصفح تلك المخطوطات كنت أردد عبارة واحدة وبدون شعور (والله حرام هذا الإنتاج الفكري يبقى هكذا دون أن يرى النور) وعندما رفعت رأسي وجدته مبتسما تبسمت بوجهه فبادرني قائلاً :

كل من رأى هذا الإنتاج كان يردد نفس العبارة وأجيب بعبارات مختلفة ولكنني اليوم سأعيد عليك جوابي القديم الذي حدثتك عنه لعلك نسيته ... وأضيف إليه إن تكاليف النشر أصبحت مكلفة .... وبالفعل أعاد عليَّ سرد قصته مع الشعر حين قامت الجمهورية العراقية في يوم 14 تموز 1958 نظمت قصيدة بمدح الثورة والقائمين عليها- لكون شاعرنا لديه توجهات قومية - وقد ورد ذكر الزعيم عبد الكريم قاسم  ومساعده عبد السلام عارف في قصيدتي وأثني عليهما باعتبارهما مؤسسي الجمهورية العراقية .وأعيدت تلك القصيدة بصوتي سبعة عشر مرة من إذاعة بغداد.ومضت الأيام سريعة وأختلف رفاق السلاح فيما بينهم فرفاق الأمس أصبحوا أعداء اليوم.وفي أحد الأيام.... فوجئت بقوة من الأمن تقتحم مقر عملي وتعتقلني دون أن أعرف السبب علماً بأني ليس لي أي نشاط سياسي من أي نوع عدا أفكاري القومية والتي أحتفظ بها لنفسي.وبعد يومين عرفت من المحقق سبب إعتقالي وهو ذكري إسم عبد السلام عارف في القصيدة.وهكذا أمضيت خمسة عشر يوماً في السجن قبل الإفراج عني.وعدت لمزاولة أعمالي . ومضت السنون وتغيّر الرئيس وجاء عبد السلام للحكم وبعد مرور أيام إقتحم رجال الأمن مقر عملي وإقتادوني للسجن وبقيت عدة أيام قبل بدء التحقيق وتفاجئت بأن سبب الإعتقال نفس القصيدة وهو لماذا ذكرت عبد الكريم قاسم وهكذا أمضيت خمسة عشر يوماً أخرى بعيداً عن عائلتي وأولادي..

 إن هذه الحكاية أو الحدث على بساطته لكنه غزير المعنى وفيه إشارة واضحة بعدم المبالاة والإهمال الواضح من قبل السياسيين في بلادنا بأصحاب القلم والكلمة ،وهكذا ترى أغلب كتابنا وشعرائنا ومفكرينا إما مقتولين أو معتقلين أو مشردين في أصقاع الأرض...!!

ومضت الساعات سريعة وودعت أستاذي الخزرجى- رحمه الله- واعداً إياه بزيارة أخرى متمنياً له طول السلامة والصحة والعافية.

 

في المثقف اليوم