أقلام حرة

بكر السباتين: درويش يخلي القاعة من دنس الصهاينة في حفل إسرائيلي

bakir sabatinهذا ما فعلته الضحية بقاتلها.. حينما يخرج درويش على الملأ بصهيله المدوي كي يقتص من المحتل؛ فيزرع الحقل بالسنابل، تاركاً للمحتل يباب الروح وبهيم الخوف.

لذلك صرحت الليكودية ريغيف مهزومة والخيبة تأكل عقلها:

"نعم تركت المنصة خلال أغنية قصيدة محمود درويش، لأن لديّ احتراماً وصبراً كبيرين على الآخر، ولكن لا أملك ذرة صبر على محمود درويش وعلى كل من يريد تدمير دولة إسرائيل وشعبها".

هذا ما قالته وزيرة الثقافة الإسرائيلية الليكودية، ميري ريغيف، بعد مغادرتها حفل توزيع جوائز للإنتاج السينمائي جنوب فلسطين المحتلة في مدينة أسدود مساء الخميس، 22 سبتمبر/أيلول احتجاجا على أداء مغني الراب العربي تامر نفار أغنية من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش، حيث غادرت الوزيرة المهرجان صاغرة ذليلة، كأن الراحل درويش صفعها على وجهها المربد..

وانقسم الجمهور الإسرائيلي بين هاتف ضد ريغيف وبين مصفق لها.

 

 

 

فضحالةُ المحتلِّ يبابٌ لا تتبرعمُ في أرضه العطشى سنابلُ الحق المهدور وإن غطته الأكاذيبُ بالربيع الزائف.

إذْ شعرت هذه الوزيرة العنصرية الليكودية بالهشيم الذي تقف عليه بينما الضحية تشعله بالغضب وتحرثه بالصبر كي يزرعه درويش بقمحنا المنهوب، فتورق القصيدة أملاً يغيظ العدا.

ونستذكر في هذا السياق حادثة كان لها دوي القنابل في رأس المحتل الذي لا ينيمه القلق ولا تريحه أصوات الضحايا وهي تحلق عالياً مع أدعية الثكالى في سماء ليست له، كان ذلك قبل نحو شهرين، حينما استدعى وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني القومي المتشدد، مدير إذاعة الجيش للتنديد ببث برنامج عن الشاعر الراحل. محمود درويش.

وقال ليبرمان حينذاك "انها مسألة خطيرة تتعلق بشخص كتب نصوصاً ضد الصهيونية ويتم استخدامها حتى الآن لتشجيع الأعمال الإرهابية ضد دولة إسرائيل". كما احتجت ريغيف نفسها على البرنامج المذكور.

وبثت الحلقة عن درويش، في إطار برنامج للجامعة المفتوحة في الكيان الإسرئيلي، وهي مؤسسة للتعليم عن بعد.

وكان وزير التعليم الإسرائيلي السابق، يوسي ساريد، من حزب "ميريتس" اليساري العلماني، اقترح في العام 2000 تدريس قصائد لدرويش في المناهج الدراسية الإسرائيلية كخطوة تطبيعية من باب اليسار الإسرئيلي، لكن رئيس الوزراء اليميني في حينه، إيهود باراك، رفض ذلك بشدة.

فمن هو هذا الشاعر الذي أحب ريتا اليهودية قبل الاحتلال الصهيوني لفلسطين من منطلق إنساني، وانضم للحزب الشيوعي العربي الإسرائيلي قبل احتلال فلسطين من باب إيمانه بأهداف اليسار العالمي الطامحة إلى العدالة الاشتراكية، لينقلب بعد نكبة فلسطين على أحلام قلبه المغبون صارخاً في وجه الذئب المتربص بالحملان والمحتل لأرضه السليبة "سجل أنا عربي".. كأنه بذلك يرفض أن يسلخ الاحتلال هويته أو يسلبه كرامته المتمثلة بالأرض وحقوق الإنسان.

فدرويش الذي احتضنته الأرض في جوفها كحبة قمح نامية، يذكرنا بالوجع الفلسطيني ويقض مضجع المحتل الإسرائيلي الذي راح يقارعه ويغرس الفزاعات بجوار الحقل كي لا يلوح طائر الفينيق الكنعاني من الأفق.. ودرويش وهو في الغياب ظل يتحكم بالصراع الثقافي مع العدو كما فعل دم شاعر الثورة الإسبانية لوركا بالدكتاتور الإسباني فرانكو إبان الحرب الأهلية الدامية في إسبانيا.. وللتذكير فإن دمَ لوركا بعد مقتله جعل يزلزل سمعة فرانكو وانصاره خلال الحرب الاهلية الاسبانية، كما يفعل الآن درويش مع الكيان الصهيوني الزائل، ولايزال هذا الدم اللوركي حتي اليوم (وسيظل) عالقاً بتاريخ الذين اسالوه، مثلما هو موقف المؤسسات الصهيونية من المثقفين الفلسطينيين وعلى رأسهم كنفاني وسميح الفاسم ودرويش.. وهي ترجمة للعلاقة الموضوعية بين المحتل الصهيوني الغريب والضحية الفلسطينية التائهة في المنافي أو الصامدة تحت نير الاحتلال، والذي يطابق تماماً موقف المانيا النازية من الثقافة والمثقفين رغم أنها كانت علاقة بين مستبد ألماني مع شعبه الألماني المغبون، والذي كان من بين الاسباب القوية التي حطمت سمعة النازية وفضحتها أمام العالم كله.. فقد كانوا يحرفون كتب الفنانين والمفكرين الكبار.. وكان أحد المسئولين النازيين يعلن بجرأة وصفاقة تلك العبارة المشهورة "كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي".. وهل سيختلف هذا التصريح مع تصريحات المسؤولين الصهاينة كلما أصابتهم أشعار درويش بغصة!

ويعتبر درويش أحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، ويطلق عليه اسم "شاعر المقاومة"، وقد أسهم في تطوير الشعر العربي من خلال مزجه بين الحب والوطن. كما صاغ وثيقة الاستقلال الوطني الفلسطيني التي أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1988 في الجزائر.

وتوفي درويش في التاسع من أغسطس/آب 2008، في أحد مستشفيات مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، في عمر ناهز 67 عاما نتيجة مضاعفات أعقبت عملية جراحية دقيقة في القلب.

وقضيدة "سجل أنا عربي"من أكثر قصائده شهرة وتأثيراً، وهي تعبر عن تجذر الفلسطيني بأرضه تمسكه بهويته وإنسانيته، حتى أنها باتت تشكل غصة في حلق العدو الصهيوني في الوقت الذي صدحت بها حناجر الشباب وهم يرددون كلماتها على صدى صوت مرسيل خليفة، وهو يؤديها صاهلاً في وجه المحتل باسم الأجيال المتعاقبة، باعثة في الأجيال الفلسطينية المتعاقبة طاقة الصمود والانبعاث من تحت الرماد كالفينيق.. وفي ذات السياق ينبغي أن نبذر هذه الكلماتُ التي أغاظت الليكوديين في حرث الضمير العربي كيلا ينام على جور، فماذا قال درويش الذي استقال من منظمة التحرير الفلسطينية احتجاجاً على معاهدة العار أوسلو:

“سجِّل! أنا عربي

ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ

وأطفالي ثمانيةٌ

وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!

فهلْ تغضبْ؟

سجِّلْ!

أنا عربي

وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ

وأطفالي ثمانيةٌ

أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،

والأثوابَ والدفترْ

من الصخرِ

ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ

ولا أصغرْ

أمامَ بلاطِ أعتابكْ

فهل تغضب؟

سجل

أنا عربي

أنا اسم بلا لقبِ

صبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها

يعيشُ بفورةِ الغضبِ

جذوري...

قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ

وقبلَ تفتّحِ الحقبِ

وقبلَ السّروِ والزيتونِ

.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ

أبي.. من أسرةِ المحراثِ

لا من سادةٍ نجبِ

وجدّي كانَ فلاحاً

بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!

يعلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ

وبيتي كوخُ ناطورٍ

منَ الأعوادِ والقصبِ

فهل ترضيكَ منزلتي؟

أنا اسم بلا لقبِ

سجل

أنا عربي

ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ

ولونُ العينِ.. بنيٌّ

وميزاتي:

على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه

وكفّي صلبةٌ كالصخرِ

تخمشُ من يلامسَها

وعنواني:

أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ

شوارعُها بلا أسماء

وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ

فهل تغضبْ؟

سجِّل

أنا عربي

سلبتَ كرومَ أجدادي

وأرضاً كنتُ أفلحُها

أنا وجميعُ أولادي

ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي

سوى هذي الصخورِ..

فهل ستأخذُها

حكومتكمْ.. كما قيلا؟

إذن

سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى

أنا لا أكرهُ الناسَ

ولا أسطو على أحدٍ

ولكنّي.. إذا ما جعتُ

آكلُ لحمَ مغتصبي

حذارِ.. حذارِ.. من جوعي

ومن غضبي”

 

 

في المثقف اليوم