أقلام حرة

مهدي الصافي: ثقافة الصمود في زمن المؤامرة

mahdi alsafiشعب يقاتل بأستمرار منذ عشرينيات القرن الماضي لا يمكن هزيمته بسهولة. تقدمت جحافل البطولة بشموخ نحو معاقل المؤامرة والارهاب، يتسابقون بصدور عارية نحو ميدان النصر او الشهادة، معركة وحدت المجتمع، وجعلتهم في قمة الامم الحية التي لاتقهر،

حتى اطفال المدارس باتوا يعرفون ان القوات العراقية المجاهدة تدافع عنهم، وعن مستقبلهم، يحمل هؤلاء البراعم صنادق واكياس واموال التبرعات بكل فخر وعز الى حشدهم المقدس، ولم يسمع ابناء المدينة صراخ الامهات الثكلى بأبناءها الشهداء، فهذه الحرب تختلف عن كل المغامرات الفاشلة المدمرة السابقة  سواء كانت قبل او ابان البعث البائد، فقد عادت روح الوطنية لشعبنا الى وهجها العراقي الاصيل، بعد ان حاول نظام صدام قتلها بشتى الوسائل، المؤامرة لم تنتهي او تبتعد عن بيوت العراقيين، لكن عندما تصمد وتتوحد الجبهة الداخلية يفشل الاعداء، ويصبحوا عاجزين من تمرير مخططاتهم التخريبية ....

اثناء تحرير المناطق المحيطة بمدينة الموصل، وبالاخص مدينة بعشيقة، انبرت وسائل التواصل الاجتماعي بتمرير طرفة او عبارات فكاهية بمامعناه:افرحوا اصحاب شرب الخمر-لقد تحررت اهم مناطق صناعتها"،

وكما هو معروف للبعض ان المواطنين المسيح هم اهل صنعة الخمر العراقي منذ القدم، وصلت على مايبدوا تلك المعلومة الى احد اعضاء مجلس النواب، فحشرها في قانون موارد البلديات على ما اذكر، لتكون مادة عراقية جاهزة للسخرية-وللتنكيت، حتى صارت حجر عثرة دون قصد امام التعبئة الوطنية الفعالة والمتصاعدة لتحرير مدينة الموصل، فبات الامر مثار جدل واسع، في معظم الاوساط السياسية والثقافية والاعلامية، وحتى الاجتماعية، هذه الحالة تعكس بوضوح المستوى الثقافي او المعرفي البسيط جدا لبعض السياسيين (وان كانوا حاصلين على شهادات جامعية)، التي لاتستطيع التمييز بين الظرف والتوقيت والحالة الحرجة والمناسبة والمعقدة والعادية لطرح او تشريع القوانين، اي هناك في العرف الديمقراطي العالمي توقيتات وازمنة وظروف معينة تخدم طرح بعض التشريعات المثيرة، لعدة اسباب ولمجموعة اغراض منها الكسب الانتخابي، ومنها ماهو يأتي لتنفيذ الوعود الانتخابية السابقة، واخرى تتعلق بالمصلحة العامة الضرورية، على ان طريقة وتوقيت وظرف تشريع تحريم صناعة وبيع واستيراد الخمر كان سيئا، ولم يكن مناسبا على الاطلاق، بل جعل الكثير ممن يحرم شرب الخمر، ويتمنى الحد من انتشاره، متخوف من احتمالية تصاعد وتيرة الانغلاق الاجتماعي الديني السياسي في مقترحات مشاريع قوانين تحد من الحريات الشخصية الاخرى اهمها (وكما يشاع في شبكات التواصل الاجتماعي) منع الاختلاط في الجامعات-ومحاربة الابداع والاداء الفني والادبي، وقوانين محتملة متشددة كثيرة، مع ان البعض ذهب الى ان هذه الخطوة ستشجع من انتشار المخدرات في البلاد كما هي الحالة في ايران، فدول الخليج تعد من الدول العربية الاكثر تطرفا في مجال منع شرب وبيع وشراء الخمور، الا ان شعوبهم تعد من اكثر شعوب الدول العربية احتساءا له، والتي تحول بعضهم بعد الحملة الوهابية الارهابية الى امراء حرب بالوكالة كمرتزقة داعش، نعتقد ان كان لابد من تمرير تلك المادة المثيرة للجدل، وخصوصا انها تخالف الدستور، وتجعل العراق بلدا نظامه السياسي اسلامي لايؤمن بحقوق الاقليات الاخرى، ان يكون القانون للتهذيب والتنظيم والتحديد والتخصيص(كأن يستثني الاخوة المسيح-وكذلك المرافق السياحية)....

المؤامرة كبيرة جدا، وعيون الاتراك على الموصل وحلب، والسلطان المتهور الاخرق اردوغان يستذكر ويستحضر التاريخ السلجوقي العثماني الميت، ليمرر مؤامراته الخبيثة في بلاد الهلال الخصيب، ولدينا اوضاع منقسمة في اقليم كردستان بين مؤيد للمؤامرة، واخر معترض او متردد من حسم الامر والمواجهة، او متخوف من اللدغات الاردوغانية فلا يفصح عن مواقفه الوطنية بشكل واضح وصريح، فقد كان اواخر القرن الماضي مجرد مزحة رددها السيد الطالباني في معرض رده على مقترح تركي يقول (لو تم ضم مناطق اكراد العراق لاكراد سوريا ممكن ان يحصلوا على الفيدرالية)، صحيح ان البيشمركة تقاتل داعش الى جانب القوات العراقية في عملية تحرير الموصل، الا ان مشروع المؤامرات لازال قائما"مشروع تقسيم العراق"، والغريب ان الموقف الامريكي الذي جاء يحث ويطلب من رئيس الوزراء العراقي السماح للقوات التركية المحتلة من المشاركة في عملية تحرير الموصل، بغية البقاء فيها بعد التحرير واثارة المشاكل والفتن، يعيد الى الواجهة مسألة اللعبة الاردوغانية الامريكية المحتملة التي اطاحت بالديمقراطية التركية، وجعلت حزب السلطان العميل القوة الاولى والسيد الاوحد لهم في البلاد، فالكل يعلم ان الولايات المتحدة الامريكية لاترغب بحليف ديمقراطي ايام الحروب، بل تطمح لدكتاتور متهور ينفذ الاوامر دون اعتراض، فالحرب مع الروس والصين وايران (ودول البريكس) اصبح مصيريا بالنسبة لهم..

هذه المعركة او الحرب العالمية الالكترونية الثالثة تعد من اعقد الحروب عبر التاريخ، لابد ان تكون الجبهة الداخلية محصنة بقوة، لاتسمح بأي تهاون او تخاذل او تراجع...انها معركة وجود

 

مهدي الصافي

 

في المثقف اليوم