أقلام حرة

طارق الكناني: ماهي معايير السياسة المالية والنقدية في العراق؟

tariq alkinaniالمتتبع للسياسة النقدية والمالية في العراق يرى مدى التخبط الذي تغرق فيه هاتين السياستين، علاوة على التخبط في السياسة الإقتصادية التي تفتقر إلى أبسط مقوّمات التخطيط، منذ مدة ليست بالقصيرة ونحن نسمع عن الفساد المالي في المزاد العلني للعملة الأجنبية في البنك المركزي، وقد تم استبدال (الدكتور سنان الشبيبي) محافظ البنك المركزي العراقي السابق ونائبه (الدكتور مظهر محمد صالح) على خلفية اتهامات بالفساد وحسب ماجاء في لائحة الاتهامات الموجهة لهم ولكنّ المحكمة برأت ساحتهم، وكانت الغاية التي أرادت الحكومة تحقيقها هي إبعادهم عن هذه المؤسسة لتسليمها لشخص من نفس الكابينة الجكومية قد تحققت، ولم يعد يهم إن كان فعلا هو فاسد أو لا فالموضوع تم السكوت عنه نهائيا وتمت إعادة الدكتور مظهر محمد صالح كمستشار في رئاسة الوزراء للأمور الإقتصادية واستمر المزاد العلني للعملة بوتيرة اعلى من ذي قبل، رافق هذا الإتهام، إتهام آخر لمدير عام البنك العراقي للتجارة بالفساد ونظرة بسيطة في لائحة الإتهام نجد أن الاتهامات والملفات عبارة عن تجاوزات إدارية لاترقى لتهمة الفساد ولكنهم (أي الحكومة) كان لديهم أجندة في تسليم المصرف إلى شخصية هي الأقدر والاكفأ من ناحية الفساد، فالمديرة الجديدة خلال فترة وجيزة تمكنت من اغراق المصرف التجاري بملفات فساد كبيرة، وهي عمليات ممنهجة كان الهدف منها تهريب كل السيولة النقدية لمحافظات الشمال وتهريب العملات الأجنبية إلى خارج البلد عن طريق فتح الإعتمادات المستندية الوهمية وعمليات التحويل الخارجي ناهيك عن العمليات الأخرى الغير منظورة، فهي تؤجر دارها الموجودة في الأقليم بمبلغ خيالي ليستخدم كفرع للبنك علما بأنه دار بسيط لايرقى إيجاره إلى 1/1000 من مبلغ الإيجار الحالي، فمراجعة بسيطة للعمليات الإئتمانية تجد أنها قد ذهبت إلى جهات معينة في الإقليم، كذلك نجد معظم القروض والتسهيلات المصرفية في مصرفي الرافدين والرشيد ذهبت إلى تجار من سكنة الإقليم وبموافقة وزير المالية (...)وكل هذه القروض والتسهيلات بدون توثيق وبدون ضمانات حقيقية توازي هذه القروض وإن وجدت فهي غير كافية وتقديرات الكفاءة المالية والادبية مشكوك فيها. وكل هذا كان يحصل بموافقة الإدارات العليا للبنوك، وفي حالة اعتراض أي مدير فرع من الفروع فأنه سيكون هدفا للعزل والعقوبات .

  لقد حافظت ادارة البنك المركزي (القديمة) على سعر صرف ثابت للدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية وخففت من حالة التذبذب التي كانت سائدة انذاك وتمكن الدينار العراقي من استعادة قدرته الشرائية إلى حد كبير، وكانت تلتزم بحدود معينة من عرض العملات الأجنبية تتلائم مع مدخولاتها من تلك العملة واتباع سياسة موازنة مع تلك المدخولات بحيث حافظ الاحتياطي العام للدولة العراقية على مستواه .ولكن الآن ومع انخفاض سعر النفط وشحة الموارد المالية الأخرى، كان يجب على البنك المركزي مراعاة هذا الجانب واتباع سياسة نقدية أكثر كفاءة وخصوصا هم من اتهموا الإدارة السابقة للبنك بعدم قانونية هذا المزاد وكان من المفروض ايجاد بدائل أخرى للمحافظة على اسعار صرف العملات بدلا من المزاد، وتفعيل ومراقبة الاعتمادات المستندية الصادرة والتحقق من مستندات الشحن ونوع البضائع المستوردة .ومراعاة حاجة البلد الفعلية لهذه البضائع وذلك بالتنسيق بين السياسة الإقتصادية والمالية .ولكن هذا لم يحصل ولن يحصل في ظل هكذا ادارات وحكومات .

في آخر تصريح للجنة المالية البرلمانية إن البنك المركزي فقد (33)مليار دولار من الاحتياطي العام (الكنز العراقي) حيث اصبح الاحتياطي العام( 47) مليار بعد أن كان في العام 2014( 80) مليار، وأن عمليات تهريب العملة عن طريق المصارف الأهلية والتابعة للأحزاب الدينية بلغت أرقام خيالية تعادل ميزانية الدولة العراقية للسنوات الماضية .

من جهة أخرى، فقد بالغت وزارة المالية في تخصيص الرواتب التقاعدية للقادمين الجدد باعتبارهم من ذوي الشهداء والمناضلين والسجناء السياسيين وغيرها من العناوين، وهم يعرفون جيدا ان صندوق التقاعد يتكون من الاستقطاعات الشهرية من رواتب الموظفين في الدولة العراقية ومن لم تكن لديه خدمة تقاعدية أصغرية لايستحق الراتب التقاعدي وهناك حدود دنيا وعليا للراتب التقاعدي تتناسب مع فترة الخدمة، ولكن هذه الشروط لاتنطبق على هؤلاء القادمون الجدد حيث لاضوابط تحدد رواتبهم ولامدة خدمة أصغرية .

 الآن وبسبب السحب الغير اعتيادي من صندوق التقاعد المخصص للعاملين في الدولة العراقية من موظفين أوشك على الإفلاس أي بمعنى انه لاتوجد تخصيصات للمتقاعدين حيث قامت وزارة المالية بصرف رواتب (أفراخ الألهة ) من هذه التخصيصات وبشكل غير مسبوق وبأثر رجعي لسنوات ماضية حيث يبلغ المتراكم في اسوء الأحوال (95) مليون دينار عراقي واذا حسبنا بشكل بسيط اعداد هؤلاء المتقاعدين سنجد أن صندوق التقاعد لايكفي لهؤلاء وخصوصا اذا علمنا ان وزارة المالية لاتعوض رواتب هؤلاء الطفيليين .

من هذا نستنتج مدى التخبط الذي يعصف بمؤسساتنا المالية وسياساتها المالية و النقدية وغياب التنسيق بين هاتين السياستين وندرك تماما ماهي الصورة التي ستكون عليها حالة البلد إذا استمر الانفاق الحكومي بهذا الشكل وتحميل موازنة الدولة .فقد يأتي اليوم الذي سيفقد فيه الموظف الذي افنى زهرة شبابه في خدمة الوطن راتبه التقاعدي بسبب هؤلاء (أفراخ الألهة).

 

في المثقف اليوم