أقلام حرة

ابوبكر خليفة: نحو شخصية توافقية لرئاسة حكومة وفاق ليبية.. عارف النايض ربما

abobakir khalifaحينما ظهر إسم "فائز السراج" في "إتفاق الصخيرات"، وطرح كرئيس للمجلس الرئاسي المنبثق عن هذا الإتفاق والمكلف بتشكيل "حكومة وفاق وطنية" توحد الليبيين وتنهي الصراع، حينها فوجيء العديدون بهذا الإسم المغمور، فهو  أي "فائز السراج" قليل الكلام، وعضو عن دائرة "حي الأندلس"بطرابلس، وهو مهندس في إدارة المشروعات بصندوق الضمان الإجتماعي، وعمل أيضاً في القطاع الخاص في إدارة وتصميم المشروعات، وهو عضو مؤسس في"مكتب تريبوليس"للإستشارات الهندسية،ورغم أن بعضاً من أصدقائه من النواب لم يطعنوا في شخصه، بل وأثنى بعضهم عليه ووصف بأنه "رجل وطني"، إلا أن أصواتاً أخرى من المتابعين والمحللين رأوا أنه جاء بإملاء من تيار" الإسلام السياسي"في المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، لكي يسهل تطويقه وتطويعه،وإمتلأت صفحات التواصل الاجتماعي هي الأخرى وكذلك بعض الصفحات الإعلامية هي الأخرى بعرض المعلومات عن تاريخ هذا "الإسم"، ومنهم من أوغل بعيداً جداً (بالحق أو بالباطل) وهو يتقصى عن جذوره وأصوله "التركية" أو "الفلسطينية" المفترضة، والحقيقة أن والده"مصطفى السراج" كان أحد رفقاء السياسي الليبي المعروف "بشير السعداوي"، وأيضاً بعضهم أشار إلى علاقات المصاهرة التي تجمعه بعائلات مصراتية، وهذا يعني حسب مايرون بأنه سيكون تحت هيمنة الإملاءات المصراتية "الجهوية".. ورغم كل هذه المعطيات والقصاصات المتناثرة والمتداخلة، وعندما حانت ساعة الحقيقة وبعد أن تم توقيع "إتفاق الصخيرات" بالمملكة المغربية في (17/12/2015)، وخرج إلى الوجود متجسدا في "المجلس الرئاسي"، تفائل الليبيون بأن عهداً من الوفاق قد حل، وغمر شيء من الفرح الوجوه العابسة والقلوب المنقبضة، وغزت صور"فائز السراج" ورفاقه وتصريحاته الشاشات وكل الواجهات الإعلامية، وبما أننا شرقيون نتفائل ونتشائم، فحتى الإسم جعلنا نتفائل خيرا، فالفائز من الفوز والظفر، والسراج يحيل إلى السراج الوضاء فلعل النفق الخانق المعتم يضيء أخيراً ونعانق الألق والضياء، ويحيل كذلك الى سروج الخيل فعسانا نمتطي صهوات الأمل إلى واقع أفضل. ..لكن للأسف كان الواقع المر أكثر رسوخا من الحلم الحلو، والحقيقة المشتعلة الحارقة أكثر سطوعا من  بصيص الوهم الباهت... فواقع ليبيا اليوم أن من يحكم على الأرض، ومن العاصمة "طرابلس" تحديداً هي مليشيات تمدد وتجذر نفوذها، داخلياً وخارجياً، وخاصةً مليشيات"الإسلام السياسي"، والمليشيات "المافيوزية"، أو ذات التوجه المتطرف،أو الجهوية،أو القوى غير الظاهرة التي تحرك خيوط اللعبة في الخفاء، حتى صارت اللعبة أكبر؛ فحاول "فائز السراج" بداية الهبوط في مطار"معيتيقة" بطرابلس، لكن طائرته منعت من الهبوط، وبالتالي إمتنعت عليه طرابلس جوا، بأمر من المتحكمين الحقيقيين على الأرض، حتى رأت الدول الكبرى ضرورة تمكين هذا المجلس من الدخول عنوة إلى طرابلس عبر تونس ثم ليبيا عن طريق البحر في "فرقاطة ليبية"تحت حماية ومؤازرة "فرقاطة إيطالية"، وإمتلأت الشاشات ثانيةً بصور ومشاهد دخول"المجلس الرئاسي" بأعضائه المظفرين الى قاعدة"أبوستة"البحرية بطرابلس، والتي أصبحت مقرا لهذا المجلس الى يومنا هذا، ولم يستطع تجسيد الوجود الفعلي في طرابلس، رغم مناصرة بعض المليشيات له، وبذلك وقع هذا المجلس في براثن"المليشيات" باكراً، ومن موقعه بدأ هذا المجلس بإطلاق بياناته وبرامجه، ورغم دعم المجتمع الدولي له وفي ظل إعترافه بها كسلطة تنفيذية وحيدة في ليبيا، إلا أنه لم يستطع بسط الأمن حتى لنفسه، وشهد الإقتصاد الليبي في ظله إنهيارا غير مسبوق، وغرق هذا المجلس في العديد من الإشكاليات الشرعية والدستورية،التي تمثلت خاصة في عدم إعتراف "مجلس النواب" السلطة التشريعية بحكومة الوفاق التي جاء بها، وعدم نيلها لثقته، وأيضاً عدم تجانس هذا المجلس نفسه، حيث قاطع جلساته عضوان مهمان يشكلان ثقلا مجتمعيا كبيراً، ألا وهما"القطراني"و"الاسود"، وأيضا تداخل صلاحيات هؤلاء الأعضاء، وتباين مواقفهم من الأحداث المختلفة، ومؤخرا الإستقالة المذوية ﻷحد أهم أعضائه وهو "موسى الكوني"  ليضع الإتفاق في مختنق قانوني، والأنكى والأدهى المشاجرة والتي وصلت الى حد التهديد بالسلاح بين عضو المجلس الرئاسي"فتحي المجبري"ورئيس المجلس"فائز السراج"،وفي حضور المبعوث الأممي"مارتن كوبلر"، على خلفية رفض الرئيس للتعيينات السيادية التي أصدرها فتحي المجبري منفرداً، لتصل الأزمة الى ذروتها، وبذلك لم يستطع "فائز السراج" فرض نفسه كشخصية توافقية لتجسيد الوفاق الحقيقي بين الليبيين .. واليوم تطرح عدة أسماء لتولي حكومة وفاق جديدة، ربما بعد اللجوء الى تعديل "إتفاق الصخيرات"، بالرجوع الى المسودة الرابعة ورئيس ونائبين..ونحو شخصية يمكن ان تخلق الإجماع حولها وبمواصفات "كاريزمية" قد تحظى بقبول كافة الأطراف المختلفة والمتباينة، ومن هنا جاء إسم الدكتور"عارف على النايض" السفير الليبي السابق في الإمارات العربية المتحدة،كأحد الأسماء المقترحة بقوة،والذي إستقال مؤخرا من سفارته، ربما تهيئا وإستعدادا لتولي هذه المهمة والمنصب ...فهل تكون هذه الشخصية توافقية حقاً وتقدر على ترتيب الأوضاع في ليبيا؟ وهل يستطيع أن ينهي هذا الإنقسام والتشظي والتشتت السياسي؟ .. وأيضاً فإن التسويات السياسية في ليبيا مازالت تختلط وتتقاطع مع التسويات الإجتماعية وتوافقات الدولة العميقة. ..وكذلك في ظل نفوذ المليشيات المتعاظم ....كيف ستعمل حكومته المفترضة من العاصمة طرابلس؟ ..وكيف سيتعامل مع التطورات الأخيرة في ظل إنتصارات "الجيش الوطني الليبي" المتوالية، ودحره للإرهاب عن بنغازي، وتقليصه لسيطرة التطرف في الشرق الليبي عموماً، هذه الإنجازات  التي فرضت "الجيش"وقيادته كرقم كبير في معادلات أي تسويات محتملة، وبالتزامن أيضاً مع إنتصار قوات " البنيان المرصوص "وإنهائها لسيطرة تنظيم "داعش" على مدينة "سرت"الاستراتيجية، وإن بالتعاون مع القوات الأمريكية، الأمر الذي لا يختلف كثيراً عن إستعانة "الجيش الليبي"ببعض الدول في حربه على الإرهاب، سواءاً بالدعم السياسي او اللوجستي. .وماهو التصور وفق كل ذلك لبناء مؤسسة جيش حقيقية وموحدة؟، خاصةً بعد حرب التصريحات الأخيرة وبعض المناوشات بين قوات "البنيان المرصوص " و"الجيش الوطني الليبي"؟  وماهي أجندة "حكومة الوفاق الجديدة" المرتقبة

إقتصاديا في ظل عودة تدفق الصادرات النفطية؟ وكيف ستكون علاقتها بمصرف ليبيا المركزي ورئاسته، في ظل ترقب الليبيين لحل الأزمة الإقتصادية العويصة، والتي طالت رمق وقوت الليبيين؟ وأيضاً كيف ستتعامل هذه الحكومة المرتقبة ورئاستها مع الدول والأطراف المتدخلة والمتداخلة في الشأن الليبي؟ وخاصةً مع وصول رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية ألا وهو "دونالد ترامب" وربما لأجندته المختلفة عن سلفه"باراك أوباما" في التعامل مع القضية الليبية؟ .. ولمن لا يعرف "عارف النايض" فهو من مواليد  مدينة "بنغازي"في عام/1962.. وهو أكاديمي وأستاذ فلسفة في العقائد والأديان المقارنة، حيث تحصل على الدكتوراة من دولة "كندا"في هذا التخصص، ونشأ في طرابلس حيث أكمل دراسته الثانوية، وأتم دراسته الجامعية بين كل من الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا، ودرس الهندسة أيضاً، وسار على نهج والده حيث أن أباه"على أحمد النايض" من مؤسسي" غرفة التجارة والصناعة الليبية "، حيث شارك أبوه في العديد من مشاريع البنية التحتية الليبية في "الستينات" و"السبيعينيات" من القرن الماضى. .لذلك فإن "عارف النايض" جمع بين مشاغله الأكاديمية وإدارة المشاريع والأعمال.. وأيضاً الليبيون كشرقيين يتفائلون ويتشائمون، ويظلون كذلك حتى وإن صدموا مرات ومرات، ففائز لم يفز ولم يشعل سراجا، فهل عارف سيكون عارفا؟ و هل سينهض النايض (المستفيق) بليبيا من عثرتها ؟.. وإن لم يكن هو تلك"الشخصية التوافقية"رغم كل المؤشرات التي تصب في إتجاهه، فليوفق الله ليبيا الى خيرة رجالها.

 

د.ابوبكر خليفة أبوبكر

 

في المثقف اليوم