أقلام حرة

ثورة النواب الكويتيين ضد تظاهرات البصرة

مؤسفة وسخيفة وغير أمينة حملة النواب الكويتيين التي انطلقت أمس واليوم ونقلتها وسائل الإعلام ضد المتظاهرين والنواب العراقيين الذين شاركوا في الدفاع عن بلادهم ضد عمليات خنقها بحريا واستباحتها بريا بالقناة الكويتية الجافة. فبعد صمت طويل، توقعنا خلاله أن يقول أحد هؤلاء النواب كلمة حق لصالح تأمين وترسيخ العلاقات بين الشعبين والبلدين الجارين، فينصح حكومته الكويتية بالكف عن المشاركة في المؤامرة الغربية بقيادة واشنطن لخنق العراق بحريا وتدمير مشروعه البحري الوحيد ونافذته المهمة على الخليج المتمثلة بميناء الفاو فجاءت الحفارات الكويتية لتقيم ميناء ضخما في سرعة قياسية وكأنهم في سباق مع الزمن على الضفة المقابلة من الخور لميناء الفاو. علما أن للكويت سواحل تمتد على 499 كيلومترا وليس للعراق سوى 58 كيلومترا فقط ! غير أن انتظار المتفائلين وذوي العقليات البناءة من العراقيين كان عبثا فقد شنَّ مجموعة من النواب الكويتيين حملة تهديد ووعيد انطوت على أكاذيب لا يصدقها عقل .. هذه بعض الأمثلة :

النائب وليد الطبطبائي يخلط الحابل بالنابل فيقول: إن مشكلتنا مع الجار الشمالي العراق أزلية، وليست مرتبطة بشخص صدام حسين أو عبد الكريم قاسم أو غيرهما . ثم يضيف إضافة معقولة تناقض مقدمة كلامه حين يقول (فهناك من يصطاد في الماء العكر بيننا وبين العراق وموضوع الحدود بيننا وبين العراق جاء بقرار أممي، ولا يملك العراق أن يعطينا شبرا من أرضه ولا نملك نحن كذلك أن نأخذ شيئا من أرضه). أعتقد أن الطباطبائي يقصد بكلامه عن "الصيد في الماء العكر" إيران وليس أميركا والغرب، فهل نسي الطباطبائي أن للعراق مشكلات بحرية مع إيران لا تقل خطورة عن تلك التي تجمعه مع الكويت؟ أولا يعلم أن حكام إيران لم تكفهم سواحلهم التي يبلغ طولها 3180 ثلاثة آلاف ومائة وثمانين كيلو مترا فجاؤوا ينبشون بجثة الشاه الفاطس ليستخرجوا منها معاهدته مع صدام حسين لتقاسم شط العرب مع العراقيين.

هل نسي الطباطبائي تحفظاته ورفضه لإنشاء ميناء مبارك الكبير وقطع شريان العراق البحري فيه والذي أطلق عليه " ميناء الصداع الكبير" قبل سنوات قليلة؟ ثم أين نضع الوقائع التي تقول بأن الكويت استولت فعلا بموجب قرارات الأمم المتحدة على أراض عراقية من ميناء أم قصر وحقول الرميلة النفطية وحتى بعض الحقول الزراعية في منطقة أم قصر وأن خور عبد الله وقسمه الغربي العميق أصبح للكويت بموجب اقتراح بريطاني لئيم وقذر؟ هل هذه الوقائع الموثقة هي أكاذيب أم أنه وزملاءه ونائب وزير خارجيتهم خالد الجار الله لم يسمعوا بها؟

النائب الكويتي صالح عاشور طالب بلهجة تهديدية الحكومة الكويتية (بتشكيل غرفة عمليات وفريق رصد لما يحدث بالعراق اتجاه الكويت، وعدم التساهل لمواكبة الحدث بدقة، وإعطاءه أولويه قصوى على سواه) فهل سيرسل عاشور مراقبين دوليين لتفتيش المتظاهرين العراقيين وهم في شوارع بلادهم أي سعار هذا؟

أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية في البرلمان الكويتي علي الدقباسي، فكشف أن "لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية ستعقد اليوم الاثنين، اجتماعا وستنظر بالتحرشات العراقية المعتادة".

الدقباسي "تدقبس" أكثر من حجمه ووزنه السياسي حين وصف العراقيين المدافعين عن حقوقهم وحقوق بلادهم والمستهدفين لحكومتهم العراقية المتهاونة والمدافعين عن حقوق بلادهم، وصفهم بالمتشددين والإرهابيين، ولغة الدقباسي هذه ذات رائحة كريهة معروفة وعليها الماركة الإسرائيلية، والعراقيون هم الأعرف بمعالجة المتصهينين الذين يصفونهم بالإرهاب.

أما النائب عبد الله فهاد العنزي فقد فاق زملاءه استفزازا وتكلم بلغة مسمومة صوَّر من خلالها العراقيين كشعب من الشحاذين بانتظار المنح والمساعدات الكويتية حين طالب حكومته (باستدعاء السفير العراقي، والاحتجاج على المزاعم بشأن خور عبدالله، والاعتذار - عن المشاركة - عن مؤتمر المانحين للعراق). وقد شاركته نظرته السقيمة هذه النائبة صفاء الهاشم، قالت من جانبها (إن هذه المظاهرات ذكرتني بمظاهرات ميناء مبارك الكبير، لتكون ورقة ضغط لمزيد من المساعدات).

واخيرا فالنائب ناصر الدوسري يقول (يغيب عن العراقيين أن الخور سمي بهذا الاسم (خور عبد الله) نسبة إلى حاكم الكويت عبد الله الصباح، المتوفى في العام 1813). فهل يشتهي الدوسري أن نواصل الجولة معه في حقائق وملفات التاريخ والجغرافية لنرى ما يقوله بخصوص دولة الكويت نفسها واسم الكويت نفسه أم أن التنقيب في حقائق التاريخ أصبح حكرا عليه وعلى أمثاله من النافخين في رماد الحروب ؟ أما تهديداته التي قال فيها من ضمن ما قال (الكويت التي دافعت عن حدودها قديما وحديثا غير عاجزة اليوم أيضا عن ردع كل من تسول له نفسه المساس بأمنها) فهي تفضح حقيقة اللعبة المعادية ليس للعراق وشعبه فقط بل وفي الوقت ذاته للكويت ومستقبلها والواقع فإن الذين أصيبوا بالذعر والهستيريا لمجرد خروج مئات الشباب في شوارع البصرة محتجين ورافضين لخنق بلادهم ليسوا في موضع يبيح لهم التشدق بتهديد الغير بالردع و"الذي منووو"، وإذا كان الدوسري مطمئنا اليوم لوجود عراق مريض وضعيف يقوده "غنم الطوائف والإثنيات" فالأكيد الأكيد ان اطمئنانه هذا لن يطول فالعراق هو العنقاء والعنقاء هي العراق والتاريخ والجغرافيا بيننا!

 

علاء اللامي - كاتب عراقي

في المثقف اليوم