أقلام حرة

حول أسس المصالحة الليبية العميقة والشاملة

abobakir khalifaلا يمكن أن يصلح حال ليبيا والليبيين إلا بتحقيق مصالحة عميقة وشاملة، مصالحة تنطلق من عمق اﻷرض الليبية، وينضوي تحت لوائها كل أطياف المجتمع الليبي بلا قيود أو إستثناء أو تصنيفات، ولكي تنجح هذه المصالحة وتؤتي ثمارها نرى بأنه يجب:-

أولاً:  أن تراعي هذه المصالحة خصوصية المجتمع الليبي، هذا المجتمع الذي مازال يتكيء على مكوناته الإجتماعية اﻷساسية، حيث لم تفلح الدولة الليبية (منذ إستقلالها في خمسينيات القرن الماضي) في التحكم بقياد هذه المكونات، ربما ﻷن دولة المؤسسات الحقيقية لم تتشكل منذ ذلك الزمن، وظلت ليبيا دولة "العلاقات الاجتماعية" وتخضع كل التوازنات والتحالفات فيها إلى التوافقات الإجتماعية ؛ لذلك فإن نجاح هذه المصالحة مرهون الى حد كبير بمدى التوافق بين القبائل والمناطق والجهات، على أن تكون هذه التسويات اﻹجتماعية جسراً مرحليا للعبور نحو دولة المؤسسات الحقيقية المنشودة.

ثانياً: يجب أن يقتصر دور المجتمع الدولي على الدعم والرعاية والدفع بمشروع المصالحة، وليس التدخل السافر عبر مبعوثيه في هيكلية وفعاليات ونتائج هذه المصالحة، فلقد أثبت تجربة الليبيين مع "الأمم المتحدة" انها لم تقرأ جيداً "الحالة الليبية" على الأرض، ولم تستوعب خصوصية المجتمع الليبي، وأنها لم تلتزم الحياد في الكثير من مواقف النزاع الليبي-الليبي، أو أنها مجرد أداة في قبضة القوى العظمى ورهن لمشيئتها ونفوذها.

ثالثاً: عند البدء بمشروع المصالحة العميقة والشاملة يجب ضبط وكبح جماح المليشيات الجهوية والقبلية خاصةً، من طرف أعيان المناطق وشيوخ القبائل والمجالس المحلية، حيث أثبتت اﻷحداث المتعاقبة بعد إنتفاضة 2011 أن المليشيات القبلية والجهوية هي اﻷقرب واﻷكثر جنوحا للسلم والمهادنة، من تلك المليشيات المؤدلجة أو المرتبطة بأجندات غامضة أو تلك اﻹجرامية، حيث أن المليشيات الجهوية والقبلية يمكن إقناع أمراءها لاحقاً بما يتناسب وبناء الدولة.

رابعاً: يجب أن يساهم الإعلام بدور كبير في التمهيد لهذه المصالحة والتأكيد على ضرورتها، وأن تبادر كل القنوات الإعلامية ووسائطها، وعلى إختلاف توجهاتها بتوحيد خطابها لكي يصب في إطار فكرة المصالحة العميقة والشاملة، وتسخر أغلب برامجها من أجل الدفع بالليبيين نحو المصالحة، وذلك بإبراز إرث الشعوب والدول التي عانت من ويلات الحروب اﻷهلية وأنهكتها الصراعات والنزاعات، ودور المصالحة الحقيقية والعميقة في إنهاء حقب من المظالم وإنتهاكات حقوق اﻹنسان.

خامساً: يحب تفعيل العدالة اﻹنتقالية في إطار هذه المصالحة، والتي تتضمن جبر الضرر ورد اﻹعتبار لضحايا المظالم والإنتهاكات، وووضع آليات وهيئات لتحقيق هذه العدالة المنشودة، وتعطى هذه الهيئة أو الهيئات صلاحيات كبيرة من أجل معالجة الملفات المعقدة، على أن تكون على رأس هذه المعالجات الكبيرة، ضرورة عودة المهجرين والنازحين إلى مدنهم وقراهم، وأيضاً إطلاق سراح كل السجناء، وإغلاق كل السجون التابعة للمليشيات، مع إتاحة الفرصة للعفو والتسامح وإقرار التعويضات.

 

  د. أبوبكر خليفة أبوبكر.  

 

في المثقف اليوم