أقلام حرة

شيء من الصراحة.. قصة الجمهور الأردني مع الكرة وطواحين الهواء

bakir sabatinيبدو أن كل همومنا انتهت، لا بل وحُلَّتْ جميعُ قضايانا، فلم يتبق لدينا إلا كارثة الهزيمة في مباراة كرة قدم مملة بين فرقاء تخلوا عن الروح الرياضية، وانهمكوا في إشعال الفتن بين جماهير لا تفهممعنى الرياضة الرياضة وروحها المتسامحة، وفوق كل ذلك يلعبون كنطح الكباش، فلا متعة ترتجى من أدائهم في الملاعب ولا بريق يبهر المتصايحين المتناكفين على المدرجات المتقابلة، وتدير هذه الفرق (وأسفاه) أندية يتحكم بها إداريون أوصلتهم أصوات جهوية (مع تقديري لهم) إلى إدارة تلك الفِرَقْ المتعبة. فما هو السر الذي يقف وراء الغوغائية التي تتحكم بجماهيرنا! وقد ألقت بهمومها الحقيقية وراء ظهورها لتنشغل بمباريات كرة قدم تدور رحاها بين فِرَقٍ متطاحنة في الساحة الرياضية الأردنية، دعونا نتحدث بصراحة. فحينما تدور المباراة التي توصف عادة من ناحية فنية بالمستوى المتردي بين فريقي الوحدات والفيصلي - على سبيل المثال لا الحصر- والتي من المفروض أن يتحلى جمهورا الفريقين بأنبل الصفات التي تتحكم بأخلاقيات الرياضة وروحها المتسامية، نفاجأ بخلاف ذلك تماماً، فما أن تنتهي المباراة بهزيمة أحد الفريقين حتى ينبري كل جمهور في مواجهة الآخر في عاصفة من الشتائم والإهانات المرفوضة تماماً، والتي يتجلى فيها البعد الإقليمي الضيق والعصبية الخانقة المميتة التي يتم من خلالها تجاوز كل المحرمات، ربما هي لحظات عاصفة يعربد فيها شيطان بمماحكاته الجوفاء المشبعة بالأحقاد، وخاصة استهزاء كل طرف من الآخر في أعز ما لديه، بعبارات يأنف قلمي الخوض في تفاصيلها، شعارات مقززة تعكس مدى ازدواجية المعايير الأخلاقية السائدة بين جماهير كرة القدم الأردنية.. وما لا يدركه جمهور كرتنا المغدورة بأن الكيان الصهيوني يقيس أحياناً مدى قبوله في المجتمع الأردني من خلال الشعارات التي تمجده نكاية بالآخر من قبل جمهور ما ضد الآخر، دون أن يدرك ذلك العدو المتربص بنا بأن تلك العبارات الغريبة عن مجتمعنا ومواقفه الملتزمة ضد التطبيع، مجرد عبارات انفعالية لا ترقى إلى مستوى المواقف الراسخة وغير تمثيلية في أي سياق يذكر، ناهيك عن ردود الطرف الآخر الإستفزازية إزاءها، والتي من المؤكد أنها ستسجل لدى المراقبين كنقطة إعلامية لصالح مفهوم الانقسام خلافاً للواقع الذي يتماسك فيه الأردنيون في مجتمع متفاهم على أرضية المواطنة دون أن يؤثر ذلك على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في بلادهم المحتلة، ورغم ذلك فإن ما يدور في الملاعب على مرأى ومسمع جميع المسئولين الأردنيين لا بد من أن يعزز مفهوم الانقسام الذي يبتغيه أعداء الأردن المتربصين بأمنه؛ على الرغم بأن ما تهتف به الجماهير في الملاعب الأردنية من شعارات جوفاء لا تمثل إلا ما يشبه جلد الذات بغير حق، أو جعجعة بلا طحين، مجرد عبارات انفعالية لا تترجم رؤية الشعب الأردني المتماسك في السراء والضراء كما اختبرته التجارب على مدار كل الأزمات الإقليمية التي ما زالت تعصف بالوطن العربي. وذات المشهد يتكرر في كل مباراة دون معالجة لأسبابها، إذْ يتبادل جمهورا الطرفين الشتائم الجارحة وكأننا أمام متاريس متقابلة في حرب دنكوشوتية في مواجهة طواحين الهواء. الغريب في الأمر أن الرياضة في بلادنا أصبحت موقداً للفتنة من قبل المغرضين، وبدلاً من نشر رسالة المحبة بين الجماهير، يقوم كل جمهور بنصب المتاريس ضد الآخر، لكن الأعجب هو أن الدرك الذي نعتز به بات يتعامل مع ظاهرة شغب الملاعب وكأنها مظاهرات سياسية ضد الوطن. وعليه، ينبغي إعادة تأهيل جمهور كرة القدم في الأردن قبل السماح له بحضور المباريات في الملاعب، آخذين بعين الاعتبار أن هذه المباريات جعلت تكشف سوء التخطيط في اتحاد كرة القدم الأردني الذي لم يعد يمتلك القدرة على إعادة مسار الرياضة الأردنية إلى مجرى النهر الذي يصب في الأهداف المنشودة والتي على أساسها يتم بناء الشباب الأردني على قيم التسامح والمبادرة، لإعادة بنائه من خلال برمجة عصبية لغوية، في إطار موارد بشرية قادرة على التعاون والنشاط والقبول بالآخر واحترام النتائج مهما كانت قاسية وفق مفهوم لكل مجتهد نصيب، فالاتحاد أبدى عجزه عن تنظيم الجماهير ومعالجة أسباب الشغب المتجدد بعد كل مباراة، وهو ما يعطي المتآمرين على الأردن أملاً باصطياد الأحلام في المياه العكرة. وهذه رسالة مفتوحة لجمهور الرياضة في الأردن، والاتحادات الرياضية والنوادي والحكومة بكافة أجهزتها، لا تعكروا النبع الذي نشرب منه جميعا فهذا وطن الجميع..أما الرياضة فإذا تحولت إلا مصدر للطاقة السلبية الهدامة فنحن في غنى عنها، لأنها وجدت لبناء الشباب وتنميتهم لاكتساب الطاقة الإيجابية من أجل مستفبلهم الواعد، الذي يمثل مستقبل الأردن المتباهي بهامات أبنائه في زمن لا يتوقف لأحد.

 

بقلم بكر السباتين..

 

في المثقف اليوم