أقلام حرة

ما بعد مجزرة 'براك الشاطئ'.. ضرورة فض التجاذبات الدولية في ليبيا

abobakir khalifaيوما بعد يوم يتضح فداحة أن تبقى وتستمر ليبيا رهينة هول التجاذبات الدولية والاقليمية، والتي أفرز تنافسها وحساباتها كل هذا التشظي والإنقسام، وترتب عنه ثلاثة حكومات كل حكومة تحتمي بطرف أو أطراف دولية، بأجنداتها المختلفة والمتباينة والمتنافرة والمتقاطعة، أما الشعب المنهك المكابد فهو ليس في الحسبان ويظل خارج الحسبان وبعيدا عن إطار دائرة الفعل ولا يعدو أن يكون إلا مفعولا به، فهو الذي يدفع الثمن الباهض ويسدد الفاتورة الدامية لهذا التمزق السياسي والإقتصادي والإجتماعي، ينهشه شظف المعيشة، ويحصد إنعدام الأمن والإرهاب أرواح أبنائه، وتجرجر كرامته المهدورة في الوحل..أما تلك الحكومات المتنازعة والتي تذكي الصراع وربما تصطنعه من أجل التمكين لمصالحها، فهم وأبناؤهم وحاشياتهم وأتباعهم ينعمون في ثروات وخيرات هذا الشعب المنكوب، وها نحن اليوم إزاء طبقة سياسية فاشلة طفيلية تتغذى على الخراب وتتمرغ في قطوف ثمار الفساد المحرمة , والذي لم تشهد له ليبيا مثيلا في كل عهودها، في ظل اللا دولة وفي بقعة منتهكة ينخرها الفساد والذي تمكن من "مصرف ليبيا المركزي" أعلى هيئة مالية في البلاد، وتمدد وتغول حتى طال مداخيل الدولة الداخلية والخارجية، تحت عباءة ثورة 17فبراير، وفي ظل الفوضى العارمة، هذه الثورة والتي تحجرت قلوب الكثير من الليبيين عن الإحساس بها، بعد أن أنهكهم الألم الذي تراكم في عهدها والمظالم التي تفاقمت في ظلها، فبإسم مبادئ ثورة 17فبراير هجرت مدن وقرى، وأزيحت وطردت كفاءات وٱرتكبت مجازر آخرها مجزرة "براك الشاطئ" في الجنوب الليبي يوم18/5/2017.هذه المجزرة التي طالت أرواح عسكريين ومدنيين أبرياء وقارب أعداد ضحاياها 150 ..هذه المجزرة البشعة التي تبين أن من ورائها المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق,حسب ماصرح به رئيس مليشيا "القوة الثالثة" القوة الرئيسية الضالعة في المذبحة والتابعة لحكومة الوفاق، وأن الأمر قد تم بتدبير وتخطيط وعناية، وأيضا راج بأن هناك إتفاق قطري وتركي لمنع تأسيس مؤسسة عسكرية حقيقية، خاصة مع نجاح المشير"خليفة حفتر" الملحوظ في تأسيس نواة "جيش وطني ليبي" ويمضي قدما نحو الوصول الى مؤسسة جيش حقيقية وقوية، ويحظى بقبول شعبي في مختلف أنحاء ليبيا، إضافة الى دعم بعض الاطراف الدولية لهذا الجيش الناشئ....خلاصة القول فإننا نرى بأن الاتفاقات التي تتم بين دولتين أو أكثر وتناصر طرفا أو أطرافا أكثر من إستيعابها للأطراف الاخرى، فإن جهودها من أجل حل وتسوية الأزمة الليبية سوف تبقى حبرا على ورق، مثل ذاك الإتفاق المبدئ الذي تم برعاية إمارتية مصرية بين المشير "خليفة حفتر" قائد مايسمى بالجيش الوطني الليبي و'فائز السراج'رئيس المجلس الرئاسي المنبثق عن إتفاق"الصخيرات" في17/12/2015..هذا الاتفاق الذي تم برعاية مصرية اماراتية، والذي نعتقد أنه سقط نهائيا على إثر مجزرة "براك الشاطئ" ..وبالتالي فنرى بإنه من الأولى أن تتفق أولا الدولة الداعمة للأطراف الليبية المتنازعة على فض إشتباك تجاذباتها وصراع مصالحها في ليبيا، أو رفع أيادي بعض أطرافها عن الدعم اللامشروط خاصة للأطراف ذات الأجندات المتشددة، والتي ترفض طبقا لمنهجها المتطرف قيام دولة المؤسسات الحقيقية، لإفساح المجال بشكل أساسي لعقد مصالحة ليبية عميقة وشاملة تنصهر فيها كل الاطياف والتوجهات الليبية بدون إستثناء أو شىروط أو قيود، مادام الهدف بناء دولة حقيقية بالمؤسسات المتعارفة عليها عالميا وعلى رأسها مؤسستي الجيش والشرطة، المصالحة التي لا شك لو أنها تحققت سوف تنهي كل هذه البلقنة السياسية بالوصول الى حكومة ليبية واحدة، بعد إنتخابات برلمانية ورئاسية ...واذا أردنا أن نحدد أرضية صلبة لتأسيس خطوات نحو حل الأزمة الليبية، فإننا نرى الأتي:

1- ضرورة أن تتجه الأطراف الدولية والإقليمية المتداخلة في الشأن الليبي الى إنجاز صيغة للتوافق فيما بينها حول الأزمة الليبية، والنأي عن التنافس والخلاف فيما بينها حول المسألة الليبية الأمر الذي يعطل الحل ويعمق الأزمة، سواءا كانت هذه الأطراف منظمات دولية كمنظمة الأمم المتحدة، أو دولا كبرى كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، أو دولا عربية وإسلامية كتركيا وقكر والسعودية والإمارات ومصر وتونس والجزائر والمغرب.

2- ينبغي أن يتفق الليبيون حقنا للدماء ودرءا للفتنة وتمهيدا للمصالحة الحقيقية والشاملة على أن يكبحوا جماح مليشياتهم المتمددة خارج مناطقها، وتنسحب وتعود من حيث جاءت .والتداول في شأن هذه المليشيات من أجل بناء مؤسسة جيش حقيقية.

3- ضرورة الألتفاف حول مؤسسة الجيش الوليدة، والتي حاربت الإرهاب بكفاءة وإقتدار، ولا يعني هذا الدعم والإلتحام تمجيد الاشخاص والرموز لأنهم زائلون، بل دعم هذه المؤسسة الوليدة لأنها هي الباقية والمستمرة، لذلك يجب مساندتها والتعويل عليها من أجل حماية الوطن وبناء الدولة.

 

د. ابوبكر خليفة ابوبكر.              

 

في المثقف اليوم