أقلام حرة

البرلمان الكندي وبرلمان البرزاني

khadom almosawi2رفع برلمان الشعب في كندا يوم 2017/9/26 العلم العراقي الرسمي، على بنايته، متضامنا مع وحدة العراق، دولة ذا سيادة كاملة، ومقدما بصورة مباشرة درسا إلى ما قام به السيد مسعود البارزاني وعائلته ومجموعة من أتباعه ومستشاريه الاجانب في اعلان واجراء الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق، مع مدن أخرى من العراق لم يتفق عليها نهائيا، من دولة العراق وتقسيم أرضه وتفتيت كيانه الرسمي. وبكل المعاني هذه المبادرة الكندية رد رسمي وشعبي من بلد متعدد القوميات والأديان على قرار البرزاني وارتباطاته الخارحية، التي عبرت عنها الصور الكثيرة التي سربها إعلام البرزاني، عن اللقاءات والاجتماعات مع اشخاص اجانب (سفراء امريكان سابقين ووزير خارجية فرنسي سابق وناشط فرنسي "متعدد المواهب" (؟!) وآخرون أغلبهم عليهم علامات استفهام كبيرة في نشاطهم السياسي) معروفين بمواقفهم المعادية للشعوب والدول ولعبوا أدوارا في تنفيذ المشاريع في تقسيم المقسم وتجزيء المجزء وتحطيم المدمر والوقوف فوق اطلاله متفرجين او ناصحين بالاستمرار في الخراب العام والتهديم لكل بناء او استقرار سياسي، لاسيما في البلدان التي تشكل حتى في انشغالاتها الكثيرة مصدر قلق لمصير القاعدة العسكرية الستراتيجية في المنطقة. وما توزيع صور تبرز اعلام الكيان الإسرائيلي مرفوعة مع إعلام محلية في شوارع اربيل او محتفى بها، منذ فترة قبل يوم إعلان البرزاني وبعده الا إشارة تعبر عن ضيق افق وتطرف في الجهل السياسي الواقعي. وتقول بالفم الملآن بأن هؤلاء المستشارين الذين سُمعت كلمتهم ونفذت رغباتهم هم مستشارو سوء وهلاك، وما قدموه في هذه الظروف المعقدة لا ينفع كل من أنصت لهم ودعاهم إلى وليمة عامرة في بيته على حساب جوع السكان ومصائرهم.

واذا كانت هذه اللفتة الرسمية الشعبية البرلمانية من كندا واضحة في دلالتها ومعناها فإن ما قام به برلمان برزاني، وليس البرلمان الكردستاني، الذي عقد اجتماعين، الاول قبل موعد الاستفتاء الذي لم يقرره ولم يعلنه، والآخر بعده، بشكل هزلي صارخ، لا يعبر عن إرادة الكرد ولا سياسيهم، فبعد اغلاق متعمد وأبعاد لرئيسه المنتخب وتجميد اعماله، استدعي على عجل من هو من مؤيدي البرزاني من اعضائه، للرد باسم برلمان، فلا يوجد بينهم من عارضه يوما أو عبر عن رأي الاكراد أو الموقف الوطني والقومي عموما. هذا التصرف المتناقض مع مفهوم البرلمان ودوره وتعبيراته السياسية والوطنية يعكس العقلية التي تحكمت في الاقليم والإصرار غير العقلاني او الواقعي لمشروع شخصي او عائلي مرفوض من كل ما يحيط به، أحزابا وحكومات ودولا، من البعيدين والقريبين، من الحلفاء والاصدقاء، وقدم به نموذجا للأزمة السياسية التي وسعت من الانعزال والعداء والحصار الذي سيتضرر منه سكان شمال العراق، بكل ألوانهم القومية والدينية وغيرها.

ما صدر عن البرلمان العراقي من اجراءات، ولو متاخرة، هي ما كان واجب إصدارها وتنفيذها في الاقليم قبل هذه الخطوة الفردية، كما أنها توضح ما كانت عليه حقيقة العلاقة بين المركز والاقليم في الدستور المتفق عليه والعملية السياسية التي تمت بموافقة الكتل السياسية المتنفذة في السلطة والتحكم في الاقتصاد والسياسة العراقية وفي المشاركة التوافقية المحاصصية بينهم في كل ما حصل في العراق، قبل الغزو والاحتلال وبعده. وكلها تؤشر إلى أن الاصرار على المواقف الخاطئة و انعكاس الأخطاء المرتكبة في بداية سير ما حصل وغموض النوايا او المشاريع لكل طرف من الأطراف التي أسهمت وما زالت في الخراب الوطني، كان من ابرز اسباب تمكن "داعش" في التمدد والتسلط في أكثر من ثلث ارض العراق وسكان المحافظات التي تتوزعها. الامر الذي يجب أن يتوقف ويصحح ولا يتكرر.

لعب الإعلام وإدارته في الاقليم خصوصا والمستشارون لزعيمه المنتهية ولايته دستوريا وقانونيا أدوارا في التضليل وحرف البوصلة وإشاعة ما خطط له ووضع لمستقبل الإقليم والعراق. فقراءة علمية موضوعية لنتائج ما ارتكب من خطأ تحت اسم استفتاء مثلا توضح أن كل ما روجت له وسائل الإعلام ومرتزقتها من أن أكثر من تسعين بالمئة من السكان أرادوا الانفصال هو دجل وتضليل وخداع وكذب. فاذا لم نتوقف عند كل الإجراءات المنافية للانتخابات وأخذنا ما أعلن فقط، لتوصلنا إلى أن عدد الذين صوتوا وبالأرقام المعلنة لا يزيد كثيرا عن الخمسين بالمائة، وحَسَبنا من يحق لهم التصويت كما أعلنته لجنة البرزاني، وهي ارقام لا تتطابق مع الوقائع في الاقليم، ومع ذلك ناخذها كما رغبت اللجنة، هو 4581255 وعدد المشاركين منهم 3305925  أي بنسبة ما أعلن ايضا 72,16 ٪ وعدد المصوتين بنعم هو 2385000  بنسبة 92,73 ٪ من عدد الذين ادلوا بأصواتهم، فان النسبة الواقعية لمن كانوا مع هدف الاستفتاء تختلف عن هذه النسبة الاعلامية، وهذا ما سعي الى تمريره، وابرازه، ولا يتطابق مع واقع ما حصل، اذ ان عدد المصوتين الى الذين يحق لهم التصويت  2385000 4581255 / يكشف الحقيقة، اي بما يعادل 52,06% فقط، بمعنى اكثر من النصف بقليل وليس اكثر من تسعين بالمائة من السكان، كما رددته وسائل الإعلام ومرتزقتها. هذا الاستنتاج العلمي في عدد ونسب التصويت، وعدد سكان الإقليم الفعلي، يرد على برلمان البرزاني ويفند رد فعله الانفعالي الشخصاني وما يعلنه تزويرا وتزييفا صريحا.. وكذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما كتبته النائبة آلا طالباني عن موقف أهالي حلبجة، وحملة لا للاستفتاء وما أعلنته النائبة سروى عبد الواحد، وغيرهم الكثير، تكون النتائج غير ما أراده زلماي خليلزاده او برنارد هنري ليفي او امثالهما، الذين أشرفوا على الاستفتاء ونتائجه.

قال البرلمان الكندي كلمته الواضحة وهو بعيد عن العراق آلاف الكيلومترات، وبدا حريصا اكثر بكثير من الذين حضروا برلمان اربيل لإعلان الرد على قرارات مجلس النواب والحكومة العراقيين حول خطأ الاستفتاء على تقسيم العراق. الاجراءات التي اتخذها البرلمان والحكومة في بغداد هي اجراءات دستورية متوافق عليها، ولكنها لم تفعّل في اوقاتها، وتمادت حكومة الإقليم في التصرف بما يخالفها ويعارضها قانونا وتشريعا، من جهة، وعدم الاستفادة منها واستثمارها لصالح سكان الإقليم وبناء مؤسسات فعلية لخدمته وتعزيز الشعارات والمبادىء والقيم التي أخذ كثيرون تشويهها، كحق تقرير المصير، والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، من جهة أخرى.

حق تقرير المصير لا يتطابق مع إعلان الانفصال المنوي عليه، ولا يعني انه مشروع لافراد حسب رغبتهم او اندفاعهم وارتباطهم ولا يقبل أن يرفع هكذا لمجرد غضب او إفلاس سياسي. انه حق قانوني له ظروفه ومستلزماته وشروطه لكل شعب مضطهد او يعاني ويلات حرب او تشريد او احتلال لأرضه وخيراته. وهذا يعني أن كل المتباكين على حق تقرير المصير هم يتبنون حقا يُراد به باطل. وهو مخالف لتعريفاته ومدلولاته،وكل هؤلاء القائلين به يقعون بوعي او بجهل، بنفاق او تدليس في الخطأ السياسي ويعبرون عن لامبالاة حقيقية بمصير ومستقبل الاكراد عموما، واكراد العراق خصوصا. وكذا في القيم والشعارات الأخرى التي يرددها كثيرون لاسباب أخرى أو غايات لا تمت بصلة بها وبما تهدف إليه. وهذه طامة كبرى، تستهين بوعي الناس وتسعى إلى كي الأدمغة ونشر الفوضى في ما تعلمه او تدعيه.

كان برلمان كندا في رفع علم العراق اكثر موضوعية وارشادا لمن يريد فعلا أن يحقق للكرد حقوقهم المشروعة ويبني عراقا موحدا ديمقراطيا مستقلا وتقدميا.

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم