أقلام حرة

ليفي و خليل زادة يخذلان البرزاني

karim almudafarجاءت احدث استعادة مدينة كركوك والمناطق المتنازع عليها، مبهرة النتائج، بسرعة تنفيذها، وبأقل الخسائر من الجانبين، لتنهي جدال عقيم بين الاقليم والمركز، بخطوات حكومية فرضت بموجبها سيطرتها على المناطق المتنازع عليها، بعد ان استعرض فيه الاقليم كل امكانياته العسكرية والاعلامية، متسلحا بمجموعة من الافاقين والمتملقين ممن يسمون انفسهم بالمحليين والخبراء الاستراتيجيين الذين اوهموه بان الدول الغربية لا تتخلى عن حلفاءها، أو الساسة الغربيين السابقين أمثال زلماي خليل زاده السفير الامريكي السابق في العراق ووزير الخارجية الفرنسي الاسبق كوشنير وعراب (الثورات العربية) برنار ليفي وغيرهم ممن أوهموا القيادة الكردية بخطط وتحليلات، وتمجيد لبطولات القادة الكرد وقياداتها العسكرية التي بحسب رأيهم ستسحق كل من يتطاول على هذه الاراضي، حتى حدا برئيس الاقليم بالتفاخر في لقاءهم ونشر صوره وهو محاط بهم عبر شبكات الاتصال والاعلام، والقيام بتصريحات نارية والتهديد برسم الحدود بالدم، في مشهد يعيد نفسه عندما حشدت الولايات المتحدة الامريكية حلفاءها عام 1991 حلفاءها من 33 دولة مدججين باسلحتهم المتطورة وبمختلف انواعها وصنوفها، في حين كانت الابواق الاعلامية بجميع قنواتها، ومحلليها والسياسية ورؤساء وقادة بعض الدول الذين اعلنوا وقوفهم مع العراق وقيادته في التصدي لهذه (الهجمة الشرسة) وتصريحات تمجد بالعراق وبقائده وقدرته على صد هذا التحالف الدولي والانتصار في معركة، في وقت تشير كل الدلائل والمعطيات في حينها بخسارتها حتى قبل بدايتها، وذلك لعدم تكافئها سواء في التسليح او في العدة والعدد .

رئيس اقليم شمال العراق مسعود البرزاني يبدو أنه شرب من ذات الكأس الذي شربه صدام حسين، وتم إيهامه بانه القائد الاول والاخر، وهو الاوحد والضرورة، والفارس الهمام، منقذ الكرد والعرب والتركمان، والمسيح وغيرهم من الطوائف، و أغراءه بمظاهرات حاشدة لشباب مغرر بهم، حتى لايفقهون في مجريات السياسة وخفاياها، وكلمات من يسمون انفسهم بشيوخ العشائر العربية، وهتافتهم المزيفة المؤيدة له متناسيا ان من (يخون مرة، يخون مرات) ومتسلحا باهازيجهم التي تدعو له (سر ونحن من وراءكم) .

النشوة والغرور على ما يبدو أعمت رئيس الاقليم عن الانجازات التي حققها الاقليم خلال الفترة الماضية بسبب ضعف الحكومة المركزية وهشاشة المواقف وانتهازية السياسيين العراقيين بجميع طوائفهم، حتى بات اقليم كردستان (كعبتهم) التي يحجون اليها، وجهله السياسي بالمواقف الدولية ونفاقه، حيث تتغير هذه المواقف مع تغيير مصالحها واطماعها، ولايهمها العراق او اقليمه في كردستان او في اي مكان اخر، ولا حتى شعبه ومعاناته، وإن الخيانة السياسية لديهم كشرب قدح الماء وبدم بارد، كونها بحسب رأيهم تحكمها الظروف والمصالح . كلها عوامل ساهمت في التطورات الاخيرة، وفقد البرزاني كل شيء، بعد ان كان يمتلك كل شيء .

البرزاني على مايبدو قد وقع في ذات الاخطاء عام 1991، ورفض رئيس الاقليم هو الاخر كافة المبادرات الدولية والاممية والضمانات التي قدمت له لإحتواء الازمة بين كردستان والحكومة المركزية، وتجاهله كل الدعوات التي حذرت من الخطوات الاحادية التي يتبعها ومنها خطوة الاستفتاء، متناسيا او متجاهلا ان مثل هكذا خطوة لا تمس العراق وحده، وان دول الجوار مهما اختلفت في مواقفها فيما بينها، فانها ستتحد متناسية هذه الخلافات للوقوف بحسم ضد الاستفتاء والتي لم تستفز العراق وحده، بل ايضا دول الجوار، التي حذرت باتخاذ خطوات قاسية قد يعود ضررها بالدرجة الاساس على الشعب الكردي، إلا إنه (ركب رأسه) وسار في طريق الالغام بنفسه، مسلحا بتأييد صهيوني يتيم، ظنا منه بأنه سيكون مخلصه للعبور الى ضفة السلام، ولكن سرعان ما انقلبت الامور بخطوات متسارعة فاجأت الجميع، وأستعادت الحكومة المركزية سيطرتها للاراضي جميعها التي وضع البرزاني يده عليها بعد تحريرها من براثن داعش وفرض سياسة الامر الواقع، وبالتالي خسر البرزاني الكثير، وفي المقدمة منها من كونهم (أي الاكراد) مظلومين من قبل الحكومة المركزية، على الرغم من ان اكراد العراق هم الاكثر ممن يتمتعون بامتيازات لم يحصل عليها اي كردي في دول العالم، وتحولت القيادة الكردية الى قيادة متهورة تريد سوق الشعب الكردي الى محرقة الحرب الاهلية مع اخوتهم العرب، وقد بان ذلك واضحا من خلال انسحاب قوات البيشمركة من مواقعها دون قتال .

تطورات الاحداث والواقع الجديد ستفرض خطوات جديدة ليس فقط من قبل الحكومة المركزية، بل ايضا داخل البيت الكردي، و قد بانت اليوم من خلال المطالبة باقالة البرزاني، من قبل الاحزاب الكردية أولها جاءت من برهم صالح (الشخصية الكردية المعروفة) والذي يقود التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة والذي دعا الى تشكيل حكومة انتقالية في كردستان العراق لغرض ادارة الحوار مع الحكومة المركزية والتشديد على ان الوضع في كردستان لن ينصلح الا بتنحي مسعود البرزاني، وهي ذات الدعوة التي نادى بها القيادي في حركة التغيير محمود الشيخ، وقائمة الجيل الجديد الكردستانية، وبالطبع فان مثل هكذا خطوة ستليها بمطالبات (بمحاكمته بتهم عديدة الحقيقية منها او الملفقة) .

اما الخطوات الحكومية فقد بانت منذ بداية الازمة، وان هناك جملة من الاجراءات التي ستتخذها الحكومة، والتي ترى أن الحديث يختلف تماما الى ما قبل استعادة هذه المناطق، وانها ترفض سياسة الامر الواقع التي اتبعها البرزاني في محاولة منه (لي ذراع الحكومة) وانها اعدت قائمة من الاسماء المتهمة تم إعدادها لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم من قبل فريق استرداد الاموال العراقية بمتابعة حسابات اقليم كردستان وحسابات المسؤولين في الاقليم ممن تودع اموال تصدير النفط في حساباتهم وعرض تقرير اللجنة المكلفة بهذا الملف والذي تضمن العديد من القرارات التي ستساهم باسترداد الاموال العراقية وملاحقة "الفاسدين”، ناهيك عن مطالبة الحكومة بوضع يدها على جميع المؤسسات الحكومية الفيدرالية والمنافذ الحدودية والمطارات والتي من شأن هكذا اجراءات ستفقد الاقليم كافة موارده التي كانت بالاصل تذهب بحسب المصادر الكردية نفسها الى جيوب البرازاني وحاشيته .

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

 

في المثقف اليوم