أقلام حرة

قطار الحضارة المتسارع لا ينتظر المتقاعسين

hamid almusawiيتحدث العراقيون العائدون من منافيهم القسرية او الاختيارية والذين قضوا فترات متوسطة او طويلة في بلدان المهجر بشكل خاص، يتحدثون عن النظام الذي يسير الامور هناك ويطبعها بوتيرة متداخلة بحيث تنتظم مثل حلقات سلسلة محكمة او حبات مسبحة انيقة لاتستطيع فصل بعضها عن بعض، ولاتستطيع الوصول الى مفصل الاّ من خلال مفاصل اخرى، بل لايستقيم عمل المفاصل الحيوية عند اضطراب احد المفاصل، مسارات لاتعرف العشوائية، تسير بخطى ثابتة ومحكمة على خارطة مرسومة بدقة تتحرك عجلاتها على سكة معقدة لكنها واضحة. الخطأ فيها غير مسموح كونها تدار بايد ماهرة موجهة من خلال افكار وقادة استثمرت خبرة تجارب ناجحة، جعلت منها قواعد واسسا رصينة لتشيد عليها ما تحتاجه الاجيال المواكبة لقطار الحضارة المتسارع والذي لاينتظر المتقاعسين في محطات اجترار الماضي واستذكار مفاخر الاجداد.

تخطيط مستقبلي مذهل لابسط وادق الهموم اليومية يتصاعد شيئا فشيئا حتى يصل اخطر المشاريع اثرا في حسابات الامن القومي والمصالح الوطنية العليا، يبدأ بتخطيط المدن وحسابات انفجارها السكاني لمائة سنة قادمة، وحاجة هذا المد السكاني التخميني الى عدد مكافئ من المجمعات والوحدات السكنية والمستشفيات والحضانات والروضات والمدارس والجامعات - وحاجيات التعليم لهذه الاعداد من الطبشور والقلم الى الحاسوب-. والنوادي، والحدائق، والملاعب الرياضية، والسينمات، والمقاهي، والمسابح والمتنزهات ودور العبادة، والاسواق، والمعامل والمصانع ودور الرعاية الاجتماعية، وحكومات محلية، وقبل ذلك كله خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي وتخطيط الشوارع والجسور والانفاق ومرائب السيارات تمشيا مع ازدياد اعداد السيارات، ومحطات السكك والمطارات . ثم تتدرج هذه الحسابات – غير متناسية توفير فرص العمل للشباب وحسب التخصص والكفاءة والمقدرة - فتترابط بالحسابات العامة للبلد ككل وسياساته الاقتصادية زراعة وصناعة واستثمارا، استيرادا وتصديرا وتعاونا وعلاقات خارجية تعود بالمنفعة العامة وديمومة استمرار عجلة ذلك المسار وتنفيذ مفردات خططه الحاضرة والمستقبلية، ولذا لاتجد اضطرابا ولاتلكأ ولا فوضى في اي حقل من الحقول او مفصل من مفاصل الحياة هناك ،بل لاتوجد مفاضلة في وتيرة تقدم حقل مهما كبر على حساب حقل مهما صغر، وكأن كل ما تتطلبه الحاجة اليومية من ضرورات العيش المرفة الكريم تسير على حزام ناقل واحد وتتغذى من مصدر واحد وبنسب متساوية.

قد يقال ان هذا حال الغرب الذي سبقنا تكنولوجيا بعقود وسنين، وهذا حال الشعوب التي سبقتنا بمستوى الوعي الثقافي والحضاري بفضل ما لديها من خيرات وما مرت به من تجارب وما تعاقب عليها من قادة وسياسيين مخلصين بعد تحررها من النظم الوراثية والدكتاتورية التسلطية. والى حد ما يكون هذا التبرير صحيحا، ولكن مع صحته فانه يقيم حجة دامغة علينا، ودليلا واضحا على تقاعسنا واتكاليتنا، اذ من المفروض ان نستثمر ما انجزته تلك الشعوب وما حققته من تطور وتقدم على جميع المستويات وفي كل المفاصل مستفيدين من تجاربهم التي لم تتحقق الا عبر جهود مضنية وتضحيات جسام، في الوقت الذي وصلتنا على طبق من ماس كحلول جاهزة ليس بينها وبين التنفيذ الا المال والقرار والايدي العاملة المخلصة، وما اوفر المال العراقي الذي بدد ويبدد في حروب فاشلة ومشاريع وهمية وفساد وافساد متواصلين. وما اكثر الايدي العاملة العراقية التي تتلهف الى فرصة عمل وعلى مختلف المستويات وخاصة الملاكات الوسطية الحرفية والمهنية التي كانت ومازالت موضع اشادة وتقدير من قبل المشرفين على تنفيذ المشاريع الحيوية سواء في البلدان العربية او الاجنبية حيث اظهرت الكفاءات الوسطية العراقية جدارة ومهارة واتقان منقطعة النظير خلال هجرتها الاضطرارية بحثاً عن فرص عمل.

اذن المال موفور بفضل الثروات النفطية والمعدنية التي تشهد ارتفاعا متواصلا في الاسعار والطلب المتزايد عليها، والايدي العاملة وخبراتها المتراكمة موجودة وحسب الطلب، فلم يبق الاّ القرار المخلص والشجاع النابع من التصميم والاصرار، والمبني على التخطيط الصائب السليم لاعادة بناء العراق بما يتناسب وثقله الحضاري ومركزه المرموق في المنظومة الدولية وجعله في مصاف الدول الاكثر رقياً وما ذلك عليه وعلى شعبه الصابر بكثير ولا هو على ما تقدم من معوقات وفرص بعزيز. خاصة وان الشركات الاستثمارية العملاقة تتنافس بشدة وتقدم احسن العروض وبأعلى المواصفات وانسب الاسعار ولكافة المشاريع الخدمية والانتاجية البسيطة منها والعملاقة. فمتى تصدر القرارات الحازمة البناءة ومن سيحقق هذا المنجز الوطني ويسجل قصب السبق خدمة لشعبه الذي يستأهل ويستحق كل خير ورفاه. خاصة ونحن بحاجة لشارع معبد نظيف دون مطبات وحفر واكوام نفايات، نحن بحاجة لشبكات كهرباء وماء وصرف صحي، نحن بحاجة لمستشفيات بأجهزة متطورة وادوية متوفرة، نحن بحاجة لرياض وحضانات اطفال ومدارس وجامعات ومكتبات تليق بشباب وصبايا العراق، نحن بحاجة لمجمعات سكنية تنقذ فقراء الوطن من عشوائيات الصفيح، نحن بحاجة لمسارح وسينمات وحدائق ومتنزهات ومدن العاب واسواق"مول" ومقاهي وكافتريات ومدن رياضية، نحن بحاجة لمؤسسات ادارية ومصارف متطورة تلغي الروتين المرهق القاتل، نحن بحاجة لمطارات وشبكات سكك حديد وموانئ، نحن بحاجة لتنظيم استيراد السيارات وفتح المزيد من الشوارع والانفاق والجسور والمرائب والساحات ونظام مرور متطور، نحن بحاجة لمصانع انتاجية وبناء سدود ومشاريع اروائية وتطويرية للزراعة والري ومسح كامل لتربة العراق الخصبة وكري انهارها وجداولها وسواقيها،نحن بحاجة لدور رعاية للايتام والمسنين .. نحن بحاجة وحاجة وناقصنا"كم" مليون حاجة.

المثير للحزن والاّسى والشجن ان ما ذكرناه غير محصور بالدول الاوربية المتطورة بل متوفر في دول الجوار الاقليمي واكثر الدول العربية والتي لا يتوفر لديها ربع ما متوفر لدينا من امكانات مادية ومعدنية وكفاءات وتربة ومياه، حتى صرنا نشعر بالخجل امام اشقائنا وجيراننا ونغار منهم حد الحسد. فمتى ينتقل هذا الخجل وتسري هذه الغيرة الى مسؤولينا وقادتنا فيشمروا عن سواعدهم ويتفانوا خدمة لوطنهم وشعبهم.ليثبتوا ميدانياً انهم قادرون على تعويض العراق والعراقيين ما فاتهم في غابر السنين.

 

حميد الموسوي

 

 

في المثقف اليوم