أقلام حرة

وتبقى نيسان رغم فسادهم

hamid almusawiفي حسابات الامم ومواقيت الشعوب سجّلتك الامة العراقية الاشورية ابتكارا صاحب الحرف الذي شع ألقهُ مبددا جهالة وتخلف دياجير الكهوف، فاستهل بك العراقيون الاوائل مسار سنتهم الضاربة في عمق التاريخ والتي دخلت الفيتها السابعة. حفروك في رقم واسطوانات التراب العراقي تبركا، رسموك على خدود البردي تباهيا، نقشوك على وجنات قصب الجنوب وشما، علقوك قلائد في جدائل باسقات النخيل زهوا، رصعوا بك تيجان الملكات وصولجانات الملوك.. نسجوك في ظفائر صباياهم الحسناوات ودروع ابطالهم الكماة، ساروا بك وسرت بهم.. ساروا بك الى امبراطوريات حدودها مشارق الارض ومغاربها، ثابتةً الخطوات متحدية الخطوب، بانية امجادا وحضارات. وسرت بهم عشرات القرون خصبا وتألقا قبل ان تبكيهم متراجعين متشتتين ثم لتندبهم ذاكرة حضارية سادت ثم بادت.

وأبيت الاّ ان تعود مشوقا حتى لكأنك فراتي الهوى جنوبي السحنة حنطي الملامح بلون قمح العراق وعطر عنبره الفواح. عدت وكأن عشقك يأبى الاّ ان يكون عراقي الدم والطعم واللون والرائحة. عدت لتصحبهم في رحلة مسار جديد.. استقبالا لفجر غد مشرق، عدت لتشهد انعتاقهم من طغيان جثم عقودا وامتد سنينا، كبل الحريات، كتم الانفاس، كبت الطموح والآراء والافكار، قتل على الشبهة والشك والظن، بدد الثروات الوطنية. ادخل العراق في اتون حروب متواصلة اكلت الابناء ورملت النساء ويتمت الاطفال هدمت العراق وخربت العقول والنفوس ولاثت الطباع افسدت الخير والطيبة والجمال. اعادت العراق الى سني القحط والجهل والمرض وثقافة السلب والنهب والخناجر، عزلته عن مسيرة العالم الحضاري وباعدت بينه وبين تطلعات الشعوب الزاحفة صوب سموات الله اللامتناهية بعد ان ضاقت الارض بانجازاتها وابداعاتها وخوارقها في وقت يتقهقر العراقي باحثا عن اعواد حطب يسجر بها تنوره الطيني ليحصل على رغيف خبز لا تعرف نوعية طحينه، ثم يحفر بئرا ليحصل على ماء شربه، ويسرج فانوسا لظلمة ليل اطفاله.

اذن عدت من جديد لتضع العراقيين في مسار لا يليق الاّ بهم.. وعادوا ليسترجعوا بك حضارة الاجداد العظام في اشور وسومر وبابل.

ومع ما صاحب هذه العودة من تداعيات، ومع ما رافقها من تكالب قوى الشر والظلام فتكا بهذا الشعب الصابر وخرابا بعمرانه،مع كل خيبات القادة الجدد ونكولهم وفسادهم ..مع فداحة ثمن هذا الانعتاق، مازالوا متفائلين بمواسمك الندية وهاهم يعلّقون "روزنامات" وجهك الباهي الجديد. فهل ستطل عليهم خصبا وجمالا ومحبة وأمنا؟.

 

حميد الموسوي

 

 

في المثقف اليوم