أقلام حرة

انعكاس صورة الانسان في المادة

كاظم لفتة جبروقفتُ امام المرآة نظرت فيها فلم أجد سواي، اجتاحني الذهول عندما لم أر المرآة، ورأيت ملاح وجهي،تراجعت بعيداً عنها لمستها فوجدتها موجودة، توغل الخيال عقلي،لمحت وجه المرآة فتبسمت فيبدو ان صورتي قد تبسمت أمامي، داهمني عقلي بفكرة ان المعتم لا يعي وجوده إلا بوجود كائن آخر له صورة، وانعكاس تلك الصورة يحي العتمة،فلا يمكن أن نعرف صورنا دون وجود العتمة، ولا يمكن للعتمة ان تعبر عن وجودها دون صورة،فوجود الصورة مهم كوجود العتمة، وكذلك الأمر يكون مع الروح والجسد فكلاهما يشكلان عظمة الانسان .

رجعتُ انظر إلى المرآة لترتيب نفسي، طَفت في ذهني  فكرة  ان ترتيب الانسان لنفسه لا يكون إلا عبر شيء آخر عاكساً اليه في كل ما يفعله، فخُلق الانسان لا يتجلى إلا عبر انسان آخر، فالأخر هو المرآة التي نرى صورنا فيها وسلوكنا، فكانت تلك حكاية بداية فن المحاكاة بين الانا والاخر نقلها الفن إلى الواقع ليرسم لنا وجودنا، فالفن رسالة إنسانية تعبر عن الماهية وتخرج بمحاكاة وجودية ترسم في لوحة فنية تعبر عن اذواقنا المادية بنفحة روحية تجلت في خطوط لوحة مرئية،

كذلك الاخلاق فنون عملية يتخلى فيها الانسان عن الأنانية ليترجم لوحة وجودية تجمع شمل الانسان في قانون الوضعية، ولا يمكن أن تكون الاخلاق لولا وجود البشرية، واختراع فن التعامل وفق الإنسانية، ليس وفق قانون بقاء الأقوى، فذلك بعيداً عن قانون القوة الالهية لذلك خلقت الإنسانية في كون محدود تراعىَ النسبية وفقِ الفوارق الجوهرية بين بني البشرية، وتحدهُ الجاذبية لترتيب اللوحة الإنسانية بخطوط إلهية وألوان طبيعية ترقى لكتابة فن الوجودية في مأساة الانسان في تكوين هوية فردية بعيداً عن الأنانية، واختزال وجود الاخر في تلك اللوحة الوجودية، لنعبر عن اذواقنا وفق مفاهيم ذاتية تحررها من انعكاسات الآخر القمعية، لتظهر الأنا بحلة قيمية ذات أبعاد جوهرية تستكمل الوان البهجة الفنية لتحول اللوحة لصراعات نفسية عبر ظهور الكبت نتيجة وجود الآخر التسلطية،فظهور الوجودية كان يعبر عن نظرة تشأومية للحياة الفوقية، فكان المطلوب إيجاد مختبر لتحليل الدوافع النفسية لما تظمره النفس الإنسانية من كبت اتجاه الآخر، نتيجة الفوارق الطبقية و المجتمعية بين دعاة الرأسمالية والاشتراكية،فعبرت عن التضاد بين الآلات  والذات الإنسانية فكانت الماركسية انتصاراً لليد البروليتارية،

فكل ما جرى على مرور تاريخ البشرية صراع بين المعتم (المادة) والصورة الأحادية، فتلك الصورة أقدمت على صنع البندقية لتجرب شرور المادية،ويبدأ الشر بتشريعات روحية حتى أن البعض توهم انه بالقتل ينفذ أوامر إلهية ليمحي شرور المادية،لتبقى الصورة الأحادية تصر على سرقة نفحة إلهية  لتجلس حول العرش تفسر حوادث تاريخ الانسانية بخطوط مائلة تسمى شيطانية، لتخلط الوان اللوحة الوجودية بأقلام يقال عنها ربانية، فتذهب الإنسانية ذات الألوان الأحادية وتسيطر على اللوحة وتضيف الوان وهمية تجعل الانسان يرى الالوان كلها حمراء دموية،حتى أصبحت كل صورة انظر إليها في الشارع هي لشهيد سالت الدماء في ذهني  جراء بشاعة الرمزية،جعلت من عقول الناس مسيرة باحاديثهم الحربية التي تنص على قتل جمال المادية، إلا أن الوهم أصابهم فجعلوا الجماهير مطيعة غير ابية لما يحدث من قتل وسرق لجمال الطبيعة الإنسانية، وهي بالاحرى  من صنع  فن الخداعية، أما البعض يرى التخلص من الاخر لتوابع ملكية، فصورة القتل عقد بين الصورة الانسانية والآلات  المادية، فتنتفض المادة بعد قتل الضحية لتقول لصورة الانسان أمُرت فاديت ما عليه،

فالإنسان هو المذنب الذي جمع المادة والتكنولوجيا وجعل كل شيء في الوجود خاضع لتسلط الأنانية ،ولم يترك المادة حرة لتقدم أسلوبها وفق ما صنعت لأجل تعديل الخطوط المائلة في لوحة الفن التشكيلية لتوازن الوان الطبيعة البهية وتقدم خدمة جليلة سمية، الله ترك الانسان عندما خلقه ليعمل وفق حرية إنسانية بحدود إلهية، لذلك استخدم المادة لأغراض نفعية ونبذ المادية، إلا أنه هو المسبب بتخريب لوحة الوجود واضفاء الوان درامية  تضادية تتحدث عن الخير والشر، والحب والكرة،والربح والخسارة، والانا والاخر، كل ذلك مفاهيم رجعية أحيت من خلالها الصورة الوهمية  .

كما أن الديانات أسهمت في توضيح وتفسير وشرح تلك المفاهيم لإزالة  الصورة الوهمية وجهل التضاد بين الصورية والمادية،فالدين انعكاس لضوء الهي يُظهر اللوحة الكونية بألوانها الزهية، نقلاً تلك العتمة نحو الشفافية، ليظهر الانسان فيها خليفة معرفية مستخدم مهاراته المادية لتحويل الطبيعة لما بعدها لتكون فلسفة أرسطية بخطوط دينية، اوحت تلك اللوحة لنا ان المعرفة هي انعكاس صور أخرى تجسدت في صورة الانسان فأصبحت الخليقة غير خيرية وأوحى لها الشر طريقاً بقيه وسبيل لبقاء الانسان بصور وهمية،وتلك الصور ليست حقيقة الانسان التي خلقها الله بصورة نقية بعيدة عن التعالي عن المادية،حقيقة الخلق أجاب عنها الله في رسالته،ان الانسان في أصل خلقه مادة وصورة، تجسدت في لوحة الإنسانية.

 

كاظم لفتة جبر

 

في المثقف اليوم