أقلام حرة

قسوة الموت في الفراق العاطفي..

محسن الاكرمينواقعة حرب الحياة والموت إن سلمنا بها تجعل من الموت هو المنتصر سواء في الفر والكر، فليس في كنس غيابها سذاجة من تفكيرنا بل لأنا نكره الموت ونجعل من ذكره موضع شؤم مثل العيدان المنتصبة التي تشبه عيدان بخور الجنازات، فدنو شم حريق عيدان البخور الصيني يرعبنا خيفة من الموت.

مقولة "الموت والولادة صعب أن يعادا مرتين"، وهي حتمية ربانية، فالموت خروج الروح من الجسد والانتقال إلى محطة الخلد الأخروية . كلنا نعترف طوعا بسلطة قهر الموت كصفة وجودية خلقت ضد الحياة . ثم نستوثق من قولنا أن الموت ظاهرة مخلوقة كالحياة تماماً (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) “الملك:2″.

وليكن تعريفنا الأولي للموت أنه الحياة وليس الفناء ، فأول شهقة ولادة هي بداية مشوار الموت بالعد التنازلي، في هذا المقام لا نريد الحديث عن فلسفة الموت (نظرية التناسخ والتجسد/ التحولات..)،  وهي أمور إن تعاطينا معها نسقط  في جدال عقيم بين الرؤية الدينية التي نؤمن بها في النصوص الواردة كشواهد قطعية ، وبين الرؤية العلمية المادية للموت والتي تلخص الموت في توقف الجسم عن أداء وظائفه الفسيولوجية .

نعمة الموت تماثل نعمة الحياة بالتوازي وتزيد، لكن لما تدمع العين عند لحظة الموت؟ لما نفرح بالحياة ولا نرحب بالموت؟ لما نرى الموت كحرب تثكل – (الثكْلُ بالضّمّ: الموتُ والهَلاكُ وفِقْدانُ الحَبِيبِ والوَلَد) – كينونة الإنسان في وجوده الدنيوي؟. هنا لا نحتاج إلى تسويغ لبعض إجاباتنا، وإنما نجيب أنها أحزان الفراق العاطفي.. أنها دموع نشأة موضع الفراغ الوجداني. لا نعارض البتة القوة الربانية القاهرة للعباد بالموت، لكننا بعواطفنا الإنسانية وألفتنا البشرية نمتحن من طرف الخالق عن مدى صبرنا وتجلدنا في مواجهة هجمة الموت غير المستأذنة للأرواح .

التجربة علمتنا على المستوى النفسي والعقائدي الثقة بالحياة في بعدها الأولي الدنيوي وامتدادها الثاني الأخروي، ثقة يمكن أن تنقلنا من اعتبار الموت شبحا مخيفا ومرعبا لأركان الوجود، إلى الإقرار برحمة الموت ونعمته الربانية بنهاية الألم و الأوجاع. وهو البعد الذي يلخص الموت كرحلة نحو الدار الآخرة التي تطمئن فيها النفس لعدالة وكرم الإله.

حرب الموت الكونية تجعل منه هو المنتصر والقاهر للعباد، فنحن نعاشر الموت كل يوم ونتحدث عنه بالكراهة، لكننا قد نختلف ونتفاوت في مدى الاستعداد له وتقبله كزائر وافد. علينا أن نقر أن الله عز وجل خلق الموت في الدنيا بينما الحياة في الآخرة، مما يجعلنا نعلن أن الموت ليس هو العدم المحض وإنما هو الحيلولة بين البدن والروح، إنه تسريح وإنهاء لوظيفة الحياة الدنيوية ،على أساس نقلة أشرف بنعمة الحياة الأخروية والاطمئنان الخالد.

الإيمان بالقدر خيره وشره والطاعة الطوعية تنقلنا من النفس الخائفة المشمئزة من الموت، إلى النفس المطمئنة التي ترجع إلى ربها راضية مرضية، ونحن نستحضر قوله تعالى  بقوة في سورة البقرة الاية 155/157″ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ “ صدق الله العظيم .

 

محسن الأكرمين.

 

في المثقف اليوم