أقلام حرة

العراق بين المواطنة والديمقراطية؟

الآخرين (أجناب أو أجانب) كما تطلق عليهم دارجة ومفاهيم العشائر، يصعب إيجاد تعريف أو مفهوم ثابت ومتفق عليه للمواطنة والانتماء إلى وطن تذوب فيه تلك المفاهيم والولاءات بما يعزز انتماءً موحدا لأبناء الوطن الواحد، وتلك أيضا ترتبط بمنظومة من الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية، التي كادت أو تدمر البلاد والعباد بدلا من الاتفاق أو التوافق على صيغة تجتمع عندها كل المكونات، لإيجاد تعريف للوطن الذي يضمها جميعا والدولة التي يفترض أن تتمثل فيها كل هذه الانتماءات والولاءات، بما يعزز قوة الدولة بضمانة المواطنة والحق الشخصي في التميز الديني أو العرقي مع حرية التعبير والرأي في إطار مواطنة تجتمع عندها كل الأطراف.

 

وربما حاولت بعض الحكومات التي توالت على حكم البلاد في أول التكوين أو خلال فترة وجيزة من حكم الجمهورية الأولى، إيجاد تعريف مشترك للمواطنة والتأسيس عليه في بناء مفاهيم الوطنية الحقة ومن ثم وضع أسس ديمقراطية تنتقل بالبلاد إلى مراحل أكثر تطورا وازدهارا، إلا أنها اصطدمت بجدار العشائرية والعصبية والمذهبية، وما رافق ذلك من ظهور حركات عنصرية انتهت إلى شوفينية مقيتة أدخلت البلاد في حروب مدمرة، وعرضتها إلى الاحتلال في مطلع 2003م وما رافق ذلك من تدمير شبه كلي لكل مرافق الدولة الحيوية ومؤسساتها السيادية والإنتاجية والتقهقر إلى الوراء بشكل مريع.

 

ومما لا شك فيه إن عملية التحول الديمقراطي تحتاج مساحة زمنية ليست قصيرة في كل الأحوال، وبالذات في مجتمعات تعاني من ارتفاع كبير في مستوى الأمية الأبجدية والحضارية، وتسودها ثقافة وسلوك القرية والعلاقات العشائرية التي تطغي حتى على مفهوم المواطنة والولاء، إضافة الى نفوذ مكونات اجتماعية (بيوتات وأسر) مرتبطة بنظام العشيرة وشيخها خارج منظومة الدولة والقانون، وتنتج مع ذلك مجموعة من الأعراف والعادات والتقاليد التي تتقاطع تماما مع النهج الديمقراطي والمدني للمجتمعات المتحضرة، وهي قد أدمنت الرأي الواحد والحزب القائد والزعيم الأوحد على خلفية شيخ العشيرة تاريخيا، ولم تغادرها بتطور تاريخي أو ثورة اجتماعية وسياسية، بل جاءت بداية كنتيجة لهزيمة النظام الدكتاتوري في حرب مع دولة عظمى أدت إلى سقوط النظام واحتلال البلاد، وانطلاقة انفجارية عشوائية لتأسيس أحزاب ومنظمات وإصدار المئات من الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعة، بعيدا عن نشوء مفهوم متفق عليه للمواطنة بين مكونات الدولة وطوائفها وتحديد مرجعية للولاء الجمعي بعيدا عن الشخصنة الفردية او الحزبية، بما يربط الكل الى مشترك واحد تحت سقف الاختلاف المتحضر في الرأي والفكر، حيث ولدت معظم هذه الحركات والأحزاب والمطبوعات كرد فعل لإزاحة تلك القيود الشديدة على تأسيسها دون تشريع أو قانون ينظم ويضع ثوابت وطنية ومهنية لأدائها تحت سقف المصالح العليا للبلاد وثوابت الأخلاق الرفيعة للشعب، معتمدة على بقايا قوانين وتشريعات النظام السابق الأحادية النهج والرؤيا.

 

إن ما رافق عملية الاحتلال وانهيار النظام وهرب قياداته وفي مقدمتهم رئيسه، من سرقات للمال العام وفي مقدمة ذلك مليارات البنك المركزي  وعمليات السلب والنهب التي تعرضت لها كل ممتلكات الدولة ومخازنها ومؤسساتها، ابتداءً من قصور الرئاسة والوزراء ومقرات الحكومة والحزب، وانتهاءً بالمعسكرات ومخازن الغذاء والأدوية وحتى منظمة الطاقة النووية ومراكزها البحثية ومختبراتها والمتاحف والجامعات والمكتبات العامة، يدلل على نوع الثقافة التي رافقت إعلام وتربية ما يقرب من أربعين عاما للنظام السابق لمفهوم المواطنة والوطنية، والتي تجلت في خطاب رئيس النظام صدام حسين الموجه إلى قيادات وأعضاء حزبه قبل اعتقاله في الحفرة الشهيرة وهو يُحِلُ كل ما تم سلبه ونهبه وسرقته من أموال الدولة من قبلهم قائلا لهم إذا عدنا فهي ملك الدولة وإلا فهي لكم حلالا!؟

 

أين مبدأ الحلال والحرام هنا وأي نظام هذا بل أي شريعة غير شريعة الغاب والغزو، وهل كانت تلك الأموال ملكا خاصا بالرئيس أو الشيخ أو أي تسمية كانت؟

أين الوطن هنا وما هو تعريف المال العام، بل وما هي حدود المواطنة في هكذا فعل وسلوك من أعلى سلطة مطلقة في البلاد طيلة ما يقرب من ثلاثة وعشرين عاما، يفترض إنها رمز الوطنية والحفاظ على المال العام في أحلك الظروف؟

ترى هل هي بقايا فكرة الغزو القبلي ومبدأ الغنائم والسبايا والعبيد؟

أم هي فعلا ثقافة متجذرة لدى أولئك الذين حكموا البلاد وما زالوا من خلالها يدمرون كل شيء من أجل عودتهم بأي أسلوب كان من منطلق الوطن بدونهم حفنة تراب التي بشر بها قائدهم؟

إذن هي العشيرة والشيخ والغزو ولا وطن إلا قرية الشيخ ولا ملك إلا ما يملكه وعشيرته ودون ذلك إن استطاع غنيمة ومالا حلالا!؟

 

والسؤال الآن بعد كل ذلك:

أي شكل من أشكال الديمقراطية ستنجح في منح المواطنة تعريفا يرتقي بالبلاد من القرية والعشيرة إلى مفهوم الوطن والشعب؟

 

وحتى لو عكسنا سؤالنا بهذا الشكل فقلنا:

أي مواطنة (إن كان للمواطنة أنواع ) سترسم لنا شكل الديمقراطية المرجوة؟

 

الأشهر القادمة كفيلة بالإجابة على تساؤلاتنا!

[email protected]

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1282 السبت 09/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم