أقلام حرة

مختالٌ فخور رغم أنفه

عصمت نصارلم يرغب صاحبنا في الحديث عن الأنا المطمئنة بداخله، ولم يلفق الأقاصيص التي تصنع منه بطلاً عصامياً، بل اضطر إلى ذلك عندما اتهمه الإخوان المأفونون بما يفخر به، ألا وهو عمله في سنين صباه بالموسيقى في فرقة رفيق شبابه المايسترو عمرو سليم.

ولد صاحبنا أعمى ولم تشأ الأقدار بعد المحاولات الطبية، إلا أن يرى على بعد مئة سنتيمتر من مقلتيه، التحق بالمدارس الخاصة بالمكفوفين، وتخرج في مدرسة "طه حسين" الثانوية، ثم التحق بجامعة القاهرة بكلية الآداب قسم الفلسفة، وراح يمارس تلك المواهب التي صقلته خلال سنوات الدراسة بالمعاهد الخاصة التي كانت تجمع بين المقررات الدراسية والتربية الفنية والموسيقية في مقرراتها. وقد حصل بجامعة القاهرة على المركز الأول لأربعة مرات متتالية في العزف المنفرد على آلات الإيقاع؛ ذلك فضلاً عن اشتراكه في معظم المسابقات الثقافية، وحقّق فيها أيضاً نجاحات كبيرة، الأمر الذي رشحه للعمل فور تخرّجه لإدارة رعاية الشباب بجامعة القاهرة.

وقد استطاع النهوض بالنشاط الثقافي للجامعة، وذلك عن طريق إنشاء مراكز الأنشطة والمسابقات القيمة والمهرجانات على مستوى الجامعات المصرية والعربية. وقد حصل على العديد من الأوسمة والشهادات والدروع من مختلف الكليات والجامعات المشاركة؛ تقديراً لمجهوداته. وخلال هذه الفترة شارك رفيق طفولته وشبابه (عمرو سليم) في إنشاء فرقة موسيقية غنائية شبابية، كان لها عشرات التسجيلات في التليفزيون، والحفلات العامة.

وقد أهله نبوغه في العزف على آلات الإيقاع من تنفيذ العديد من الألحان للموسيقار أحمد صدقي والموسيقار جمال سلامة والفنان سيد مكاوي، ذلك فضلاً عن مصاحبته لغناء محمد الحلو ومدحت صالح وليلي جمال وفايزة أحمد وسمير غانم (فطوطة)، وبعض فوازير نيللي وشريهان، وأغاني صفاء أبو السعود (أهلاً بالعيد). وعلى الجانب الآخر من تلك الأنا الموهوبة، نجد الباحث الذي شهد له معظم أساتذته، فحصل على الدكتوراه في الفكر العربي الحديث، وقدم للمكتبة العربية أكثر من عشرين كتاباً في (الفكر الشرقي القديم، والفلسفة اليونانية، ومقارنة الأديان، وفلسفة اللاهوت المسيحي، والفلسفة الإسلامية، والفلسفة الغربية، ذلك فضلاً عن كتاباته عن أعلام النهضة العربية والقضايا الثقافية المعاصرة، أضف إلى ذلك مئات المقالات في الصحف والدوريات المصرية والعربية والأوربية والموسوعات الإسلامية، ومعظمها مدرج في مكتبات الجامعات الأمريكية والأوربية والمواقع العلمية الإلكترونية المتخصصة).

أمّا الجانب الثالث من قدرات صاحبنا، فهو الجانب الإداري، إذ نجح في قيادة كلية الآداب بجامعة بني سويف (رئيساً لقسم الفلسفة، ثم وكيلاً لشؤون خدمة البيئة، ووكيلاً للدراسات العليا، ثم وكيلاً للتعليم والطلاب، والمنسق الأكاديمي للكليات النظرية، وأخيراً الترشّح لعمادة الكلية) وأثناء عمله الإداري استطاع تدريب فريقاً من الموظفين على النظم الإدارية الحديثة، ذلك فضلاً عن مشاركته في إعداد لائحة الكلية وتحديث برامجها، ومشاركته كذلك في لجان إعداد قانون التعليم العالي، وتنظيم عمل البعثات العلمية للخارج، والمشاركة الإيجابية في تطوير جل مرافق الكلية وإداراتها.

وخلال هذه الفترة الأخيرة، قام نفرٌ من الإخوان باتهامه بأنه (محتال فجور) (!!)؛ لأنه كان قبل تعيينه عضواً في هيئة التدريس كان يُمَارس فن الموسيقى المُحرَّمة. وما برح خصومه من أعضاء جماعة الإخوان وأذيالهم يعتقدون بأن ما يرددونه من الأمور التي يحرص على إخفاءها صاحبنا باعتبارها نقيصة أو رذيلة. فأنا اليوم أعيد على مسامعهم كنت موسيقياً بل من أعظم الموسيقيين في مصر، وذلك بشهادة محمد عبدالوهاب عميد الموسيقى العربية، والمايسترو أحمد فؤاد حسني، وعمار الشريعى، ومجدي الحسيني، وغيرهم ممَّا يشار إليهم بالبنان في عالم الفن.

ولصاحبنا مواهب وهوايات خاصَّة مثل: قيادة السيارات والدراجات، ولعب الطاولة والشطرنج، وفك الطلاسم اللفظية، وفك الألغاز، وتحليل النصوص الفلسفية، والكشف عن السرقات العلمية، والتساجل والتحاور في المؤتمرات، وكشف المخبأ عن الفساد الكامن في أخلاقيات الأفراد، والعمل في الهيئات والمؤسسات.

وقد تخرج في كنف صاحبنا مئات الطلاب وعشرات الباحثين، وجميعهم والحمد لله على شاكلة من علمهم، إلا البعض الذي لم يحسن التتلمذ والتطبيع.

ويعلم الله بأن صاحبنا لم يكتب ما كتب دفاعاً عن نفسه، بل تذكرة بنعم الله عليه التي تجلت في طاقاته ومواهبه وفي حرصه على تثقيف الشباب، وتربية جيل من الباحثين على الأصول الأكاديمية الراقية. ويستغفر صاحبنا الله فيما عساه أن يكون كبراً أو غروراً، بل هو اعتراف بنعمته وحمد لفضله، أفلا يكون عبداً شكوراً.

 

بقلم د. عصمت نصار

 

في المثقف اليوم