أقلام حرة
احمد العلي: تاريخ الهجرة في العراق من الريف إلى المدينة
وتأثيراتها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى اليوم
يشكل تاريخ الهجرة من الريف إلى المدينة في العراق، خاصة الهجرة من الجنوب، مشكلة اجتماعية قديمة نشأت في بداية الأربعينيات من القرن الماضي ولم تنتهي حتى الوقت الحاضر بسبب تجاهل الحكومات المتعاقبة لها ولأسبابها وعدم إيجاد الحلول المناسبة لإيقافها أو الحد منها على الأقل. وقد تركت، ولا زالت، موجات الهجرة هذه على مدى السنوات السبعين الماضية آثارها على الوجه الحضاري الجديد لمدينة بغداد، المدينة التي كانت قد بدأت تنهض ثقافيا وعلميا وفكريا واقتصاديا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1939/1945 وتركت، هذه الهجرة، آثارها أكثر على الحياة الاجتماعية لسكان المدينة وطابعها المدني بما حملته معها من ريف الجنوب من عقائد وتقاليد ومفاهيم وعادات وقيم واعراف عشائرية. كما أثرت على الوضع الاقتصادي للمدينة نظرا لكثرة الأيدي العاملة وازدياد البطالة وتدني الأجور بسبب الأعداد الكثيرة من المهاجرين من الريف إلى المدينة، إضافة إلى الخدمات الأساسية التي كان على الحكومة تقديمها إلى هؤلاء النازحين. كما تسببت، هذه الموجات من المهاجرين النازحين في تردي الأوضاع الأمنية والأخلاقية وزيادة حالات الجريمة المختلفة، وفيما بعد في الأحداث السياسية التي جرت في بغداد قبل الانقلاب العسكري الثوري في 14 تموز 1958 وبعده ......
...... إن بغداد اليوم مدينة محاطة بمدن مهاجرين نازحين من جنوب العراق خاصة، نشأت واستقرت بمرور الزمن وتعاقب موجات الهجرة والنزوح. ففي البدء، في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي كان المهاجرون النازحون يأتون بغداد ويقيمون في مناطق متفرقة من اطرافها مثل (الدورة،) و(كرادة مريم/الشاكريه) و(تل محمد) و(الكاظمية،) و(الأعظمية).. على شكل تجمعات عشائرية في الغالب. ثم نشأت مع مرور الوقت وبعد تموز 1958 مدينة (الثورة) في شمال شرق بغداد والتي كانت واحدة من إنجازات عبد الكريم قاسم لإسكان المهاجرين النازحين من ارياف ومدن الجنوب بدلا من دراسة أسباب هجرتهم ومعالجتها وبالتالي تشجيعهم على العودة إلى مسقط رأسهم. ثم نشأت مدينة (الشعله) شمال غرب بغداد، وبعدها نشأت مدينة (ابو دشير) جنوب بغداد. وهناك مجمعات جديدة أخرى تتشكل في قلب مدينة بغداد وتستقر ..... كل هذا بسبب عدم اهتمام الحكومات السابقة واللاحقة في إيقاف موجات الهجرة والنزوح من الريف إلى المدينة. إن معالجة هذه المشكلة كانت تحتاج قبل استفحالها إلى معالجات حقيقية أولها الوقوف على أسبابها ومسبباتها التي تراكمت على مدى العقود الماضية من حقبة الملكية حتى اليوم. ففي سنوات الأربعينيات والخمسينيات وقبل تموز 1958 كان السبب لهذه الهجرة والنزوح هو الظلم الذي كان يمارسه شيوخ الأقطاع في الريف على الفلاح العراقي في زراعته للأرض وحرمانه من الحصول على أجره العادل من عمله في زراعتها ونصيبه من محصولها في النهاية مما لم يكن يسد حاجته المعيشية لا هو ولا عائلته. والسبب الثاني هو طموحات أولاد الفلاحين الشباب وتطلعاتهم المستقبلية التي لم يكن من الممكن أن تتحقق في مسقط الرأس، الريف، وحتى في مدينته الصغيرة نظرا لقلة مجالات العمل والتعليم ووسائل الترفيه البسيطة، إضافة إلى الجهل والفقر والمرض الذي كان مخيما على هذه الشريحة المظلومة من الفلاحين .....
..... إن أول ما يجب على الحكومة، أي حكومة عراقية قادمة، ان تنتبه إلى هذه المشكلة التي لا زالت قائمة حتى اليوم، مشكلة الهجرة والنزوح من الريف إلى المدينة بإيقاف ومنع هذه الهجرة والنزوح وذلك بتوفير البنى التحتية في كل المجالات الصناعية والتجارية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والترفيهية بحيث لا تبقى أسباب منطقية ولا حجة للمواطن في الجنوب أن يهجر ريفه أو مدينته والنزوح إلى المدينة العاصمة بحثا عن حقه في الحياة الإنسانية والعيش الكريم، ومن أجل الحفاظ على مدينة ومدنية بغداد ووجهها الحضاري والإبقاء على بغدادية أهلها ....
احمد العلي - بغداد
..................
(ملاحظة: هذا المقال كنا قد نُشرناه على أحد المواقع العراقية في 10/2/2008، ونعيد نشره هنا مع بعض التعديلات عليه دون التأثير على فكرته الأساسية ...)