أقلام حرة

فارس حامد عبد الكريم: الهاتف النقال ومكافحة الفساد والإرادة السياسية

فارس حامد عبدالكريميوم أمس كنت اشاهد تصوير فديوي هندي عرض حالة كمين كشف فساد لبعض رجال الشرطة وهم يجبرون المواطنين الهنود على دفع الرشوة، وكان من ضمن تعليقات المشاهدين إن الهاتف النقال (الموبايل) ساهم في كشف الالاف من حالات الفساد في عالم اليوم، بينما علق احد المثقفين تعليقاً نؤكده دائماً نحن الذين عملنا في مجال مكافحة الفساد حينما علق قائلاً ( ان أهم شيء في الموضوع هو ان مكافحة الفساد يحتاج الى إرادة سياسية).

وسبق اي ان نشرت مقالات حول هذا الموضوع.

في الواقع وفي اطار النطاق العالمي (بإستثناء العراق!!!) اسهم الهاتف النقال (الموبايل) في كشف الملايين من حالات الفساد والتعدي الحكومي والشرطوي على الناس؟ بل وأطاح بحكومات ووزراء وارغم آخرين على الاستقالة، فضلاً عن الالاف من الاعتذارات من الشركات والمؤوسسات العالمية وشركات الطيران التي صادت كاميرا الموبايل مواقف مخجلة لمنتسبيها او ان تصرفاتهم كانت تتعارض مع القوانين وحقوق الإنسان ...

طيب كيف يحصل ذلك؟

ذلك لانه لايمكن  لأحد في الدول الديمقراطية من العامة او من رجال السلطات العامة (ولاحتى بايدن ولابوتين) قادر  على ان يمنعك من التصوير في موبايلك على الإطلاق إلاحصرياً وبموجب قانون خاص صادر من البرلمان.

وهو مايحدث الان تقريباً في اغلب دول العالم (بإستثناء العراق !!! لحظات واقول لماذا؟؟ تعرفون السبب) وعندما سألت عن هذه الحرية في التصوير  في عدة مدن قالوا اذا منعتك الحكومة من التصوير فهذا يعني انها تشجع وتطمطم على الفساد فضلاً عن ان الموضوع يدخل في نطاق الحرية الشخصية أصلاً بضوابطها العامة الدستورية.

ومن ثم بإمكانك ان تصور في كل مكان حتى بجانب البنتاغون او تقف مقابل غرفة الملكة اليزابيث وتصور ( ورجال اللي يمنعك) وفي كل المطارات

 والوزارت وكذلك وانت تتكلم مع أحد الموظفين بل حتى عمليات القبض التي تجريها الشرطة وبإمكانك ان تقف وتصورها بكل اريحية وهذا ماحصل عند سحق احد رجال الشرطة بقدمه على ذلك الرجل ذي البشرة السمراء بحجة القبض عليه بموجب مذكرة قبض لانه امتنع عن تسليم نفسه وتسبب بمقتله بسبب المبالغة والقسوة في تطبيق اجراءات القبض ... ولكنه لم يستطع ان يوجه كلمة اعتراض واحدة ضد المواطنين ممن صوروا المشهد، لأنه يعرف تماماً انه في هذه الحالة سيعاقب بشدة بموجب القوانين.

يذكرني ماتقدم بحوار حصل لي مع أحد الوزراء كنت في زيارة له عندما كنت في منصبي في النزاهة ...

 عندما ابلغته ان حماية وزارتك بالغوا في تفتيشنا واستلموا منا جميع اجهزة الهاتف؟ وانا بدرجة وكيل وزير والمفروض ان كنت ترغب في مكافحة الفساد سواء معاليك او اي وزير اخر ان اول من تترك لهم ادخال الهاتف النقال للوزارات هم منتسبي هيئة النزاهة ليساعدوك على الأقل في كشف الفساد في وزارتك.

اجاب؛ استاذ القانون يسري على الجميع!!

تصفيق قوي ... انظر كيف تطبق مقولة (كلمة حق أريد بها باطل).

سألت؛ وهل هذا القانون يسري بحرفيته عليك وعلى حمايتك وجميع العجلات التي ترافقك ؟

قال؛ انا الوزير ياأخي!!!

 قلت انت الوزير وهل تضمن نزاهة اكثر من خمسين شخص من حمايتك يدخلون ويخرجون بدون تفتيش ولا بل اني وفي مرحلة التفتيش لاحظت ان عجلاتك دخلت الوزارة بسرعة لاتمكن حتى حماية الوزارة من تدقيق من بداخل العجلات؟

على اية ما ان خرجت حتى علمت من أحد معارفي ان الوزير اصدر اوامر مشددة بالتشديد في تفتيش منتسبي هيئة النزاهة عند مراجعتهم الوزارة.

هذه صورة من صور الارادة السياسية في مكافحة الفساد !! شددوا عليهم من اليوم!!!

ففي العراق لم يتمكن الموبايل المسكين من كشف الالاف من وقائع الفساد لانه يمنع دخوله الدوائر الحكومية والعديد من المؤوسسات !!!

بحجة الأمن !!!! العالم كله فقد الأمن إلا في العراق فقط!!!!

روى لي صديق وانا في رحلة للعلاج في تركيا في المستشفى  عندما عرف منصبي السابق حادثة تدخل في نطاق المضحك المبكي وهي ان احد اقاربه من الشباب كان يراجع احدى الدوائر باستمرار ويبدو ان احدى الموظفات قد ازعجتهم بكثرة طلباتها  (جريمة الرشوة) فقرروا الانتقام منها (تقديم اخبار عنها) فقرروا احضار موبايل وتصوريها، وحتى لا يؤخذ منهم في الاستعلامات تم اخفاؤة جيداً في الجواريب ومن ثم تمكن احدهم من تصويرها بوضوح تام وبطريقة محترفة عندما طلبت واستلمت الرشوة.

وعندها سأل احدهم صاحبه ماذا نفعل الان؟ قال له؛ نأخذه ونريه للمدير (خطأ بسبب قلة الخبرة)

فذهبوا وطلبوا مقابلة المدير او المديرة لا اتذكر جيداً وبعد انتظار دخلوا على المدير وقال له احدهم؛ استاذ احدى موظفاتك تأخذ رشوة!

فابدى المدير انفعالاً ما وقال لهم؛ مادليلكم؟

قالوا؛ انظر الفديو؛ وفتحو له مشهد الرشوة وشاهده بعناية

فأخذ منهم الموبايل ومسح التصوير فوراً وهو يصرخ بوجوههم من سمح لكم بالتصوير في دائرة رسمية بدون موافقات رسمية؟ وكيف ادخلتم الموبايل للدائرة وهو ممنوع؟ سابلغ عليكم الشرطة ويقبضون عليكم !! واسحل عليكم شكوى، وتظاهر أنه ينادي على الشرطة فأخذوا يتوسلون به حتى ان احدهم وهو شاب صغير اخذ يبكي ويقول متوسلاً هذا ورطني عمو الاستاذ وهو يشير لصاحبه.

وبكل خبرة وهدوء وحنكة ادارية قال لهم؛

- طيب طيب سوف اسامحكم هذه المرة ... لكن في المرة الثانية من ترغبون بالتصوير تعالوا هنا وان اعطيكم الموافقة. (هههه ضحكني .. ماهذه الأريحية يامدير)

- اجابوا بصوت واحد؛ تمام استاذ.... وهذه طبعاً صورة آخرى لكيفية قلب الحق الى باطل.

- ايها الوزراء والمدراء اذا كانت لديكم ارادة سياسية وإدارية لمكافحة الفساد فعلاً وحقيقة فأسمحوا بدخول الهاتف النقال لجميع وزاراتكم ودوائركم ولاتتحجوا بمقتضيات الأمن فقد حصل اختراق للوزارت والدوائر كما تعرفون دون ان يمنعهم من ذلك منعكم للهواتف النقالة من دخول وزاراتكم ودوائركم فقد غدت حجة واهية لمنع كشف الفساد افعلوها كما يفعلها العالم اجمع باستثنائكم ان كنتم تزعمون انكم تكافحون الفساد، فالهاتف النقال اليوم الاول في كشف الفساد على النطاق العالمي وذلك اهم من اجراءات امنية بائسة لم نجد لها جدوى في كثير من الاحيان.

- ملاحظة مهمة؛ اذا كشفت حالة فساد وصورتها في موبايلك فلاتنشرها ابداً وانما اعرضها او ابعثها بالبريد اولاً على الجهات الرسمية المختصة وفي مقدمتها هيئة النزاهة الاتحادية او قاضي التحقيق لأن مثل هذه الوقائع الجرمية تتطلب تحقيقاً ابتداءاً ولايجوز نشرها دون اذن.

 

فارس حامد عبد الكريم

 

 

في المثقف اليوم