أقلام حرة

الكاتب وما يكتب!!

لا يمكن لمبدع أن يدّعي بأنّ ما أبدعه بلغ غاية التمام والكمال، فلا يوجد ما هو كامل ما دمنا فوق أرض تدور، ولا تتعب في غياهب السرمد الدوّار.

فرأي أي مبدع على أن ما أنتجه في غاية الكمال، يعبّر عن جهل وخواء معرفي وجفاف إدراكي، فما يبدو كاملا اليوم سيكون ناقصا في الغد، وما نبدعه في لحظة ما لا نراه كما تصورناه في حينه.

ولهذا نجد المبدعين الأصلاء الممتلئين بأنوار المعرفة، ربما يندمون على ما نشروه قبل بضعة سنوات، لأن رؤاهم ومداركهم تغيّرت مع الزمان.

فالكتابة صنعة ورسالة، وهناك الكثير من المؤثرات تساهم في تغيير النظرة إلى النص المكتوب، إن كان منشورا أو مخطوطا.

بل أن ذات الكتب التي قرأناها في سن الصبا، عندما نقرأوها اليوم نجدها على غير ما كنا نراها.

فالإدراك البشري في حالة تغيير دائبة، وتفاعلات متجاذبة، وتتطور أحوال الوعي وتتشعب بالتجارب والخبرات، والإطلاع على آفاق معرفية أخرى.

وهذا ما يأخذنا إلى ما نسميه النضوج الفكري والمعرفي، وهو غاية من العسير بلوغها، ومن اليسير التوهم بها والإنطلاق منها إلى متاهات الأدري الخاوية.

إن الحياة مدرسة متجددة كالنهر الجاري بتوثب وإندفاق، والبشر يحاول أن يغرف من مائها ما يستطيع، ولن يغرف ماء النهر بأجمعه، فما نعرفه يساوي ما نقدر على غرفه من نهر الحياة.

وكلٌّ على قدر طاقنه، ويبقى النهر مجهولا، ولا نطيق السباحة فيه على الدوام، ومعظمنا يغطس فيه لبرهة، وآخرون يحاولون السباحة ضد التيار، وتبقى إرادة الجريان متحكمة بمصيرنا المرهون بقوة الدوران.

فهل لنا أن نرى بقدر ما يسمح به مجال النظر، ويوصلنا إليه أفق البصر، فلا بشر يرى الصورة كاملة، ولا بصر يستوعب مناظر الوجود المطلق.

وما منا بصره مديد، والغطاء إذا إنكشف مات البشر!!

***

د. صادق السامرائي

12\8\2021

في المثقف اليوم