أقلام حرة

العجز المُجتمعي المُتَعَلَّم!!

العجز المُتعلم يحدث عندما يعاني الإنسان من تداعيات مؤلمة ومتكررة، لا يستطيع مواجهتها أو تفاديها والتحرر من أهوالها، فيستكين لها ويفشل في التخلص من سطوتها، وربما يستلطف الركون والتوطن فيها.

وهي نظرية جاء بها (مارتن سلجمن) من تجاربه على الكلاب في أواخر الستينيات من القرن العشرين، فتبين أن بعضها تعلمت أنها لا تستطيع القيام بما يجنبها ما تتعرض له من إيلام.

وهذه النظرية المتمخضة من التجارب، تحقق تطبيقها على الأمم والشعوب، كنظرية (بافلوف) التي إنظلقت في بداية القرن العشرين.

وما يجري في العديد من المجتمعات إنها فعلت فعلها فيهم، وحولتهم إلى موجودات لا يمكنها أن تفكر بالخروج من المِحَن التي تعانيها، لتكرارها وتنامي وطأتها ومهارات إذائها للناس، وتحويلهم إلى موجودات تحلم بالبقاء على قيد الحياة وحسب.

وسُخِّر الإعلام وأبواق المنابر لتأمين القبول " بأهون الشرين"، ولهذا تجد الإقرانات المتواصلة ما بين جرائم سابقة وأخرى قائمة، فتبَرَر بأنها أهون من سابقاتها، ومهما تعاظم الظلم والجور والفساد، فأنه لن يتفوق على ما مضى وهلم جرا.

وبهذه الإقرانات أصيبت العديد من المجتمعات المُستهدفة بحالة العجز واليأس المُتَعَلَم، وفقدت الإرادة والقدرة على التوثب والتغيير، لأن وهم إنعدام المنافذ وإنسداد المخارج، ترسّخ في وعيها الفردي والجمعي، وأصبحت الدنيا بلا طعم ولا قيمة.

ومن هنا فأن الفساد فيها يتعاظم، والإيلام يتفاقم، والقهر والظلم يتراكم، ولا تستطيع المطالبة بحقوقها، لأن الخوف يخيم على وجودها، والرهبة من المجهول الخطير يرعبها، والكل لا يعنيه من الأمر سوى أن يرى أنه حي يرزق.

وعندما تتكلم عن الأمل والتفاؤل يحسبون ما تقوله هذربة وخيال، ونوع من الجهل والأمية، وعدم القدرة على فهم الواقع والتعبير عنه بصدق.

وهذا هو المطلوب إثباته، مما يدلل على نجاح النظرية بمعطياتها التعجيزية، اللازمة لتأمين سلوك الفساد ونهب الثروات، وقهر المواطنين بحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.

فهل أن الشعوب الأخرى إجتهدت في تأمين عجزها، والركون إلى اليأس والقنوط، بعدما أصابها الدمار والخراب والقهر الفظيع؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم