أقلام حرة

المُقدَّس الموهوم!!

صادق السامرائيالبشر يقدّس حتى الحجر، ويبدو أن التقديس غريزة فاعلة فيه، وقد مارسها منذ الأزل، ومسيرته فوق التراب تزدحم بالمقدسات المتنوعة، وقد أدركتها الأديان الكبرى، فأوجدت مقدّسا لا يُرى وفقا لقدرات المخلوق.

ولا تزال المجتمعات المعاصرة فيها مَن يقدّس الموجودات من حوله جامدة أو حية، ولكل منهم طقوسه المعبّرة عن سلوك التقديس.

ومن أخطر ما يقدّسه البشر هو البشر، فالمجتمعات التي تقدّس البشر من أتعس المجتمعات، وأشدها ضعفا وخسرانا وسفكا للدماء، والتي تقدّس الحجر والشجر والحيوانات، أكثر إستقرارا وقوة منها.

والإسلام واضح في هذا الشأن، فلا مقدّس غير الله، وأشار القرآن إلى أن النبي بشر، والفرق أنه مُصطفى لتبليغ الرسالة الربانية.

فأجزم قطعا بالقدسية لرب العالمين، غير أن النوازع البشرية الدفينة، إنطلقت بمشاريع التقديس، التي أنهكت الأمة وأفقدتها جوهر رسالتها، ومنطلقاتها الإنسانية، فصار البشر المقدّس أعلى مرتبة، وأكثر طاعة.

فهل أن الميل للتقديس عاهة سلوكية؟

يبدو أن لطاقة الغيب دور فعّال في تأجيجها وتفعيل أدواتها، وتأهيل الناس لولوج متاهاتها، تأمينا لتوجهات غريزية تخرجهم من بدنهم الترابي، وتوهمهم بأنهم موجودات ذات طاقات سماوية وقدرات كونية، فيأسرون الباحثين عن قشة نجاة تنقذهم من أهوال الغيب الذي يجهلون.

وهذه الإندفاعية الإنفعالية، تتسبب بصناعة العابثين بمصير كل شيئ، وبولادة المستبدين والطغاة الجائرين، وكأن البشر يبحث عمَّن يجلده ويذيقه سوء المصير، وخالقه وضع له خارطة حُسن المصير.

فهل سيرعوي البشر، أم سيمضي في تقديس ما لا قدسية له، ويمعن في طمس الجوهر المقدَّس؟!!

***

د. صادق السامرائي 

 

في المثقف اليوم