أقلام حرة

حاجة الأمة القدوة الحسنة

حشاني زغيديتعلمنا أن الذي فشل في قيادة نفسه إلى الخير، فإنه أعجز أن يقود غيره إلى الفضائل، وأن الذي عجز أن يسوس نفسه بالتحلية والتربية، أعجز أن يقود غيره لسلم الارتقاء والرفعة، إذا كانت نفسه الأمارة بالسوء تتحكم في قيادته.

إن المشكلة اليوم في مجتمعاتنا متمثل في فقدان النموذج التطبيقي الصحيح للمبادئ والقيم السامية بغياب القدوة الحسنة؛ والشاهد في القرآن الكريم يقول الله تعالى (أتأمرون الناس بالبِرِّ وتنسَون أنفسكم -) البقرة، 44

حتما لا يستقيم الأمر والحال الأمة على ما نرى، الأصل في الحياة أن يكون  المحسن قدوة للمقصر، وأن يكون الطائع قدوة للعاصي، وأن يكون  المجد قدوة للمقصر الفاشل، وأن يكون العادل المؤثمن قدوة للظالم الخائن ويكون المتفائل قدوة لليائس، ويكون القوي قدوة للضعيف ، ويكون الواثق قدوة لمهتز الإرادة وهكذا دواليك .

و في هذا نظم أبو العالم اللغوي  الأسود الدؤلي قصيدة حِكمية في نحو أربعين بيتًا، تتناول فيه موضوع القدوة الحسنة : أختار لكم هذه الأبيات الرائعة .

يأيها الرجلُ المعلّمُ غيرَه

هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ

ونراك تُصلح بالرشاد عقولنا

أبدًا وأنت من الرشاد عديمُ

ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَى

بالقول منك، وينفع التعليمُ

و في هذا يرشدنا المولى عز وجل إلى حسن الإقتداء تأس بالنموذج الواقعي  يجسد النموذج المكتسي  بكل صفات ومراتب الكمال البشري، من خلال النموذج القدوة  لرسول الإسلام محمدا صلى الله عليه وسلم .

يقول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].

 والأسوة هي القدوة، وهي النموذج التطبيقي الذي على العقلاء إتباعه للسير في طريق الحق، واتباع طريق الهداية.

و توافقا مع الآية الكريمة حين أمر الله رسوله تبليغ رسالة الإسلام لقريش أهله مختبرا إياهم، لمعرفة صدق قدوته على قومه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أريتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مُصَدِّقيَّ؟).

قالوا: نعم؛ (ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا) .

و الإجابة تؤكد صدقا أن رسول الله كان قدوة حسنة بين أهله مع تكذيبهم  رسالته، ومع ذلك كله  يقرون له الصدق والأمانة،و حسن الخلق .

لهذا وجب على كل  امرئ  ﺑﺪﺃه رعاية نفسه، وتهذيب خلقه، ليكون نموذجا صالحا بين الناس، كي يكون  بمقدوره قيادة غيره للنفع العام، وليكون  ﺃﻗﺪﺭ على زرع الخير بين الناس، أما إذا عجز في مهمة قيادة  نفسه ؛ فيسكون في قيادة غيره أعجز، بل سيكون مشروعه يحمل الخيبات  والفشل  وهو الحاصل في حياتنا، فقدان القيادات القدوة ي مشاريعنا الحياتية  .

ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﻤﺎء القدامى حكمة بليغة ما أحوجنا للأخذ بها (ﻣﻦ ﺑﺪﺃ ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﺩﺭﻙ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﻨﺎﺱ)

ﻭﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻓﻲ مأثور المواعظ والحكم (ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻌﺎﻗﻞ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﻃﺎﻋﺔ ﻏﻴﺮﻩ ﻭﻃﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻤﺘﻨﻌﺔ ﻋﻠﻴﻪ)

ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻋﺮ

(ﺃﺗﻄﻤﻊ ﺃﻥ ﻳﻄﻴﻌﻚ ﻗﻠﺐ ﺳﻌﺪﻯ ... ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ ﻗﻠﺒﻚ ﻗﺪ ﻋﺼﺎﻛﺎ)

فلنحذر الغفلة، فنهمل إصلاح أنفسنا، ثم نخرج للناس نقدم لهم  الدروس والمواعظ، ونحن أحوج ما نكون لتلك الدروس وتلك المواعظ، فلا يغرنا حسن ﻇﻦ الناس  بنا فنغفل ﺃﺧﻼﻗنا .

و في الختام أسوق لكم هذه الفائدة التربوية ليتعلم منها المدرسون والأساتذة والمربون أهمية القدوة في حياة الأمة، وأن حاجتنا للقدوة ملحة فلنقرأها بتمعن وفقه

أوصى أحد السلف معلم ولده قائلاً: "لتكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت".

نسأل الله أن ينفعني وأحبابي بما كتبت، وأن تكون لي صدقة جارية، لمن رباني وأحسن تربيتي وتهذيبي .

***

الأستاذ حشاني زغيدي

في المثقف اليوم