أقلام حرة

نكتب لنكتب!!

صادق السامرائيعندما نتصفح دواوين الشعراء بأنواعهم، ينهض أمامنا سؤال  مفاده: " أين الشعر في الديوان؟"، ونبحث عنه، ونتواصل في التنقيب والتفتيش، وبعد مثابرة وصبر نعثر على قصيدة واحد أو بضعة قصائد تمثل الشعر!!

ويبدو وكأننا نختزل الشاعر بقصيدة واحدة، فيمكن القول أن هذه القصيدة تختصر ما كتبه الشاعر الفلاني.

فعلى سبيل المثال، "أنشودة المطر" تمثل شاعرها، و " الكوليرا" تمثل مبدعتها، وقصيدة " السيف أصدق أنباءً من الكتب..." تمثل أبو تمام، وقصيدة " البركة الحسناء" تمثل البحتري، والمعلقات تمثل أصحابها، والأبيات المتناثرة والمتداولة تمثل المتنبي، والبردة ربما تمثل أحمد شوقي، وعلى هذا المنوال، نكتشف أن الشعر يتكاثف في قصيدة أو أكثر من مئات القصائد التي يكتبها الشعراء.

مما يعني أن المبدع يكتب ويكتب لكي يتوصل إلى ما يريد أن يكتب، فالبوح بجوهر الإرادة الإبداعية ليس أمرا سهلا، فهو بحاجة لمحاولات ومطاولة وصبر وتحمل، وطاقة متوثبة وإرادة لا تنثني.

وهذا شأن كل مبدع فيه ما لم يقله بعد.

(نجيب محفوظ) لكثرة ما كتب تمكن من تكثيف ما فيه في رواية (أولاد حارتنا)، والشاعر إبراهيم ناجي، رغم قسوة النقد الذي وجه إليه من قبل عمالقة الأدب في زمانه، إستطاع أن يلد أيقونته  (الأطلال) التي مثلت خلاصة ما فيه من طاقة الشعر.

فالقول بأن الشاعر عليه أن يأتي بشعر في كل قصيدة بحاجة لإعادة نظر، فهو يحاول أن يكتب قصيدته، أو يطاردها لإصطيادها وإستنزالها من فضاءات الخيال ومعاقل الإدراك، ولكل قصيدة حاضنة وزمن تنضج فيه لتتحقق ولادتها السليمة، وأكثر ما يُنشر في المواقع والصحف ولادات خديجة، بحاجة إلى حاضنات لكي تستطيع البقاء لفترة وجيزة.

ولهذا تجد الشعراء يعيشون في بيت شعري أو قصيدة واحدة، ولهذا أيضا كان (زهير بن أبي سلمى) يرقد على شعره حولا كاملا حتى يلد القصيدة التي بلغت ذروة ما فيه، ومع ذلك لا نحفظ من معلقته إلا بضعة أبيات، وكذلك من بردة إبنه كعب، رغم شهرتها، فالذائع منها بضعة أبيات وحسب، ألهمت العديد من الشعراء من بعده، وأنجبتهم أيقونات المديح النبوي.

فلا يمكن لجميع الشعر أن يدوم ويؤثر، وإنما يتمرن الشاعر والمبدع حتى يكتسب مهارة توليد الإبداع المعبر بصدق مطلق عما يريد قوله، ويترجمه في عباراتٍ لا تموت، تتجاوز المكان والزمان الذي ولدت فيه، ويتحقق التأريخ فيها!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم