أقلام حرة

تقديس الأموات!!

صادق السامرائيظاهرة فاعلة في سلوك مجتمعاتنا  بدرجات متباينة، وخلاصتها أن الشخص بعد وفاته يتحوّل إلى حالة متخيلة ذات مواصفات لا بشرية، ويبدو كسلوك متواصل تتوارثه الأجيال.

تردني صور لأشخاص أعرفهم، وأعلم مقامهم ودورهم وماهيتهم، وبعد وفاتهم تحوّلوا إلى كينونات لا يمكن تصديقها، ولم يمضِ على وفاتهم أكثر من عقد، فكيف بالذين ماتوا قبل قرون؟!!

وفي زمن التصوير السريع والتواصل الخاطف، تجدنا أمام توصيفات لا يقبلها العقل، لأشخاص لا يختلفون عن غيرهم، سوى أن بعض أحفادهم قد أصبحوا في مناصب، أو إستحوذوا على ثروات، وأخذوا يمعنون بأوهامهم وتصوراتهم الهاربة من جذب التراب !!

ووفقا للنوازع المتأججة والإندفاعات المعتلجة تجدنا أمام مقابر كالمراقد، وبنايات كالمستشفيات تشير إلى فلان وفلان، وما قدموا في حياتهم شيئا نافعا للناس.

ترى لماذا الميل لتقديس الأموات؟!

هل أنها النزعة الماضوية الهروبية التي تحررنا من المسؤولية، وتجعلنا نرى أن الماضي أحلى وأجمل وأعظم، وعلينا أن نغطس في مستنقعات الندب والتحسر والتظلم والتشكي، وتنمية الشعور بالعجز على إنجاز ما جاء به الأوائل؟!!

إنها خداعات نفسية وآليات حرب تدميرية ذات نتائج مأساوية، تساهم في مسيرة الترقيد والتخميد ومصادرة الثروات الوطنية من قبل أعداء الوطن والمواطنين.

المطلوب أن يكون للعمل قدسية وللوطن حرمته، والحاضر أجمل وأقوى من الماضي أيا كان بعده عنا.

فمن الواجب الحضاري والقيمي والأخلاقي، أن نجاهد للتحرر من سلوك تقديس الأموات، الذي يدفع بالأجيال إلى بناء المرارات اللازمة لتنمية البكاء واللطم على الأجداث، فيتحوّل المجتمع إلى مآتم يومية تجني منها القوى المعادية ما تريد وترغب.

فهل من إستفاقة معاصرة من كيد الكائدين؟!!

وقد صدق قس بن ساعدة حين قال: "إنه مَن عاش ماتْ، ومَن مات فاتْ، وكل ما هو آتٍ آتْ..."!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم