أقلام حرة

أسئلة لا تنفع التورية والإخفاء في التستر على دوافعها!

حميد طولستفي ظل التحولات الجذرية التي مست جل المجتمعات العربية والمغاربية، والمغرب من بينها- مجموعة من الأسئلة عن واقعنا ومستقبلنا في جميع مجالاتهما، والتي كثيرا ما نختلف في محاولة الإجابة عنها بأجوبة شافية ومفيدة، ليس لضعف تضمنها لعنصر الفضول والرغبة في اكتساب المعرفة، ولا لعدم مشروعيتها، وإنما بسبب مدى الاستعداد النفسي والعاطفي، ومقدار ما يملكه الناس من مقومات معرفية وعلمية وتكوينية، وما تتيحه زوايا تواجدهم -أثناء الإجابة- من فرص التفاعل مع مشروعيتها -كأسئلة مستمدة في غالبيتها من الانتماء للمجال والحضارة والافتخار بهما- التي يمكن اعتمادها كخريطة طريق مستقبلية في إعادة ترتيب أوراق المجتمع وتوجيهه نحو الأفضل والأحسن، وإبعادها كإيجابات عن السطحية والتفاهة والسخف الذي انحدر بالقيمية والأخلاقية الاجتماعية والسياسية والدينية إلى أحط المستويات، إلى أن صارت جزء مهما من الإنسان، وقدرا محتوما لم يسلم أحد من استراتيجيته الخبيثة التي مكنت بها أشباه المثقفين والمفكرين والسياسيين ورجال الدين من اختراق المجتمعات - كما يشير إلى ذلك الفيلسوف الكندي "آلان دونوث" في كتابه "نظام التفاهة"- التي يكون فيها الناس في ذروة ضعفهم وتأزمهم الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والديني، الضعف والتأزم الإفلاس الاجتماعي الذي لم يعد ينفع في التستر على مسبباته، لا التورية والإخفاء، ولا التلميع والتنظيف، ولا ارتداء الحجاب والنقاب والجلالبيب ولا تغطية شعر المرأة ووجهها، ولا استطالة الدقون وتضخيم زبيبات الصلام، وغيرها كثير من مظاهر "تدين الشكل" الخداعة التي لم تزد الوضع إلا تازمت، بعد أن تحول الدين على مدعي الدعوة إلى الله، من الانقياد واستسلام لله الى مجرد طقوس مظهرية ومراسيم شكلية أفقدت الدين قيمته الروحية، وغيرت نفوس ومبادئ معتنقيه، وافسدت أخلاقهم، بما نشرت بينهم من استسهال للنميمة والكذب والنفاق والمداهنة والتحريف والتضليل والخداع والانتهازية والنرجسية والتعالي والجبروت والتسلط والرياء والعصبية، وتغول الأنانية واللغو والقيل والقال والتصورات الإستحواذية، وتفرعن كافة صفات الحقارة والخِسة والوضاعة والإنحطاط والمهانة والهوان، التي تدعوا لها الأفكار الغريبة المستنبتة في مناطق لا صلة لها بالمجتمع المغربي ودينه الوسطي، والتي أوصلت المجتمع المغربي وباقي المجتمعات العربية والإسلامية الى ما هي فيه وعليه من الأوضاع السيئة والأجواء الموبوء المشبعة بالقصور والضمور وفقدان الثقة في كل الأيديولوجيات الدينية الانتهازية التي عمل ويعمل أصحابها -ذوي العقول المتطرفة الصلبة المنغلقة التي لا تبصر إلاّ نفسها -على فرض نمطيتها العقيمة على المجتمعات، رغم تقويضها للمبادئ الاجتماعية والمفاهيم الثقافية والسياسية والدينية، وانعكاس بالسلب على نقاء ضمائر الناس وصدق أحاديثهم وصالح اعمالهم، فينكس بينهم الصدق والحق والعدل والحقيقة والأمانة والإخلاص بينهم، ويتوارى حولهم الأمن والأمان حولهم، وتتناقص في تعاملهم المروءةٌ والنخوة والدماثةٌ، وتنقطعت بينهم أواصر الألفة والمحبة التواد والتراحم والوئام والانسجام والتعاون والتكافل والتلاحم، ويندثر الإتزام بالمشترك الإنساني فيما بينهم، وتنمحي جميع سمات الإيمان التي يطبع بها الدين الصحيح سلوكيات المؤمنين والتي تظهر جلية في تعاملهم مع غيرهم أيا كان لونه وجنسه ومعتقده ..

ولتخلص من جذور هذه المآسى التي تحول دون تحقيق كرامة الإنسان، لم يعد يكفي المسلم التحلي بالأخلاق الفاضلة فقط، بل أصبح لزاما عليه التخلق بأسماها والإتصاف بأرقاها على الإطلاق، حتى يكون مسلما قويا يتمكن من مواجهة العقول المتطرفة الصلبة المنغلقة التي لا تبصر إلاّ نفسها، والتي لا تحقق وجودها إلاّ من خلال عنف تشنجاتها الانفعالية، وهجوماتها العدوانية ضد التنوير والانفتاح .

***

حميد طولست

 

في المثقف اليوم