أقلام حرة

خَمَلَ ذِكرُهُ وذاعَ صِيتُهُ!!

صادق السامرائيميادين الحياة فيها مّن يَخمل ذكرهم (يختفوا ويتحقق تناسيهم) ومَن يُذاع صيتهم (يبرزوا ويتواصل ذكرهم)، والظاهرة واضحة في الإبداع.

لو أخذنا الشعر كمثال لتبين هناك شعراء قلة يبرزون وكثرة يخملون، فالشاعر الذائع الصيت يُخمل غيره ويتسيّد على الساحة ويكون فارسها.

فالمتنبي أخملَ العديد من الشعراء في عصره، ونجا من سطوته الشاعر أبو فراس الحمداني.

وجرير والفرزدق ذاع صيتهما فأخملا شعراء زمانهما، وأبو تمام تفوق في شعره وبسط إرادته على زمانه وما بعده، ومثله فعل البحتري الذي عشعش في قصور الخلافة العباسية في سامراء.

وفي النصف الثاني من القرن العشرين ذاع صيت الشاعر نزار قباني، فأخمل بريقه العديد من الشعراء، وحلق في فضاءات الشعر، رغم كثرة الشعراء المعاصرين له.

والشاعر الذي يذيع صيته أو يمتلك ناصية الشهرة، لا يعني بالضرورة أفضلهم، لكنه من الذين تمكنوا من التوائم مع إيقاع النفس البشرية في حينها، وتفاعل معها بما يجذبها إليه.

والكثير من المبدعين المتميزين الألمعيين، يفتقدون تلك النبضات السحرية الخلابة الجذابة، القادرة على غرسهم في أعماق أجيال زمانهم.

فالعديد من الفنانين، لايجدون الفضاءات الكفيلة بإطلاقهم، وآخرون يمتلكونها، كما حصل مع الرسامين الفرنسيين مونية، وفان كوخ.

ويبدو أن هناك طاقة كامنة في الأعماق البشرية ذات عناصر وراثية، تساهم بتأمين السلوك اللازم للشهرة والتفوق في ذيوع الصيت منذ أول الخطوات فوق التراب، ولهذا نجد أناسا أمضوا في الحياة بضعة عقود، وعاشوا أشهر من نارٍ على رأس علم، كما هي حال الشاعر (طرفة بن العبد) الذي مات مقتولا وعمره (26) سنة.

والشاعر التونسي (أبو القاسم الشابي) المتوفي عن عمر (25) سنة، الذي ذاع صيته في آفاق الأمة وربوعها، ولا يزال حاضرا في الحياة.

وأمثالهم آخرون وسيتواصلون، ما بين خمول الذكر وذيوع الصيت، وتلك إرادة الحياة وقوانينها الإصطفائية الخالدة!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم