أقلام حرة

في الدين والمجتمع

العربي بنحماديحتى حدود الستينات من القرن الماضي، كان الدين يلعب دورا أخلاقيا، بالأساس، يبلغ اوْجه في المناسبات والأعياد الدينية. هذا ما عايشته  ولمسته في بلدتي التي رأيت  فيها النور، في اواخر الاربعينات من القرن الماضي، بالجنوب التونسي.

وإن كان الصوم، شاملا وعاما، فإن عدد المصلين في حده الادنى مقارنة بعدد السكان. والمهم انه يندر ان تجد من يدعوك او يجبرك على القيام بالصلاة.

 كانت روح التسامح والاخاء، هي السائدة بين المتساكنين، ويشمل ذلك عموم البلاد التونسية.

ويمكن القول ان الناس يمارسون اسلامهم كعقيدة بالأساس.

غير أن الأمر تَغيّر، منذ ستينات القرن الماضي، نتيجة انتشار افكار حسن البنا وابو علا المودودي والسيد قطب، فأصبح الدين أيديولوجيا، يتبناها كثير من الناس، وخاصة في صفوف الشباب المدرسي والجامعي لغاية معلومة.

وخلاصة هذه الايديولوجية أن الإسلام هو دين ودولة، وهو الحل الجذري والنهائي لإعادة مجد الامة الاسلامية.

وقد وجدت هذه الفكرة الجميلة والساذجة صداها لدى بعض الفئات الشعبية الفاقدة لأدوات فهم وتحليل التاريخ.

قلت فكرة  ساذجة، لأنه من العبث الحديث عن حلول لمشاكلنا في الوقت الذي عاشت فيها الدول العربية والاسلامية، على هامش التاريخ، ما يزيد عن بضعة قرون.

ومن الواضح أن تقلص دور جامع الزيتونة المعمور وفشل الحركة الاصلاحية العقلانية التي فجرها جمال الدين الافغاني، ساهمت في انتشار هذا  الفكر الديني المتشدد.

و بإمكاننا القول أن جل الحركات الاسلامية، المتشددة منها والأقل تشدد، ما هي إلا فرع من الحركة الام، المتمثلة في حركة "الاخوان المسلمون".

 ولا أستثني من ذلك حركة النهضة التونسية ، الذي نهل انصارها، في بدايتهم، من الفكر الإخواني الصميم، على أيدي المفكرين السالف الذكر.

 ويبدو أن جزء معتبر من حركة النهضة ما زال على خطى هذا الفكر المتشدد.

 ومن منا، لا يذكر زيارة راشد الغنوشي، الليلة، لكتلته النيابة، قصد حثها على القبول ببند "حرية الضمير"، وذلك  خلال المخاض العسير لدستور 2014 الذي صيغ تحت مراقبة حقوقية دولية وفي مناخ لم تغب عنه المساومات.

خلاصة القول أن التونسيين كانوا يمارسون الدين، اساسا، كعقيدة  مثلهم مثل اغلب سكان الارض،  الى ان هبت الرياح القادمة من الشرق وباكستان، فأصبح الدين ايديولوجيا يطغى عليها التشدد ،لا تأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان، مرهونة لماضي قد ولى، ما يفسر فشل الإسلام السياسي في تسيير الدول. 

***

العربي بنحمادي - تونس

 

 

في المثقف اليوم