أقلام حرة

مهمة ليست صعبة

ثامر الحاج امينيقول الشاعر احمد شوقي في رائعته  "سلو قلبي"  (وما استعصى على قوم منال .. اذا الإقدام كان لهم ركابا)، وتكمن قيمة هذا البيت الشعري في التأكيد على ان الآمال لن تتحقق بالتمني انما لابد من الاجتهاد والتعب، فالذي يطمح للوصول الى هدف مهما كانت صعوبته فليترك التمني جانبا ويشرع بالعمل المقرون بالتصميم والإرادة الشجاعة، وتجارب الشعوب في البناء والتحدي اعطت دروسا للعالم وأكدت ان لا شيء مستحيل أمام قوة الارادة وصدق النوايا والعمل المخلص، ومثال على ذلك صانع نهضة سنغافورة (لي كوان يو) الذي نجح في بناء دولة من العدم وحولها الى واحدة من أنجح الدول الاسيوية، وكانت تجربته في مكافحة الفساد والتخلص من العملاء دليلا ومرشدا لمن يريد بناء بلده والنهوض بحياة شعبه، والمثير للإعجاب في شخصية لي كوان  انه بعد كل ما فعله لإنقاذ بلاده من التبعية وتحويلها من دولة فقيرة الى واحدة من أغنى دول العالم لا يعتبر نفسه بطلا او منقذا او تاج رأس فقد أجاب على دهشة المعجبين بإنجازاته قائلا (أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، انا فقط قمت بواجبي نحو وطني).. هكذا ينظر الى ما قدمه لبلده على انه ليس بالإنجاز الخارق انما هو من صميم وطنيته، مثال آخر على الشعوب المنتجة الخلاّقة هي كوريا الشمالية التي لا تعرف المستحيل في مسيرتها السياسية والصناعية، فعن هذا البلد الذي يحكمه نظام شيوعي يذكر وزير الاقتصاد العراقي للأعوام من 1968 الى 1971  د. فخري قدوري في مذكراته كيف تمكن هذا البلد من التغلب على مشكلة استيراد القطن معتمدا على انتاجه محليا وبطريقة تفوق الخيال ومُوقِفا الهدر بالعملة الصعبة عن طريق استيراده من البلدان الاخرى، حيث يقول في الصفحة 218 من مذكراته :

(خطة كوريا الشمالية التجارية لا تسمح باستيراد القطن تمشيا مع سياسة البلد العليا بالاعتماد على النفس، ولهذا لم يكن هناك بديل غير التفكير بطريقة ما لتوفير القطن للبلاد، وقد توفرت هذه الطريقة اخيرا واصبح بالإمكان انتاج القطن الاصطناعي من الصخور التي تحظى بها كوريا بكميات غير محدودة، وبذلك غدت مصانع انتاج الأقمشة تعتمد على هذا القطن لإنتاج ما يحتاج اليه الشعب من ملابس، وتتلخص طريقة العمل التي وقفنا عليها في المصانع بنقل الصخور من الجبال الكورية بواسطة سكة حديد الى احواض واسعة عميقة وبعد معاملتها بمواد معينة تمر بمراحل عديدة لتظهر في اخر خطوط المصنع تلال من القطن ناصع البياض ناعم الملمس، ثم يدخل بعدها بمرحلة تحويله الى خيوط دقيقة تلف على بكرات كبيرة حيث قدم الكوريون لنا هدية فريدة هي عينة من الصخر ونماذج من القطن الاصطناعي مع نماذج من الاقمشة المنتجة بألوان عديدة) . هكذا علينا ان نتعلم من تجارب الشعوب كيفية تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلافي الهدر في الثروة الوطنية وايجاد السبل الناجعة للنهوض بالبلاد من خلال الاستعانة بالخبرة الأجنبية في الاستفادة من الثروة الطبيعية التي تغتني بها ارضنا وجغرافيتنا لكي نأخذ بالبلد الى مصاف الدول المتقدمة .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم