أقلام حرة

أين تكمن قيمة الإنسان؟

علجية عيشهل صحيح أن السياسة هي فن الأصول وأن الأمة لا تنهض إلا بالسياسة؟

هل كل المشكلات التي يغرق فيها المجتمع هي من صنع الإنسان؟ أن أن الظروف التي أوجدتها؟ فكل المشكلات تحولت إلى قضية وأعطيت لها صبغة سياسية، أصبحنا ننهض على قضية ونبيت على أخرى بسبب التناقضات والإختلاف في الأفكار، ننهض باكرا نشعل التلفزيون لسماع الأخبار ومعرفة الأحداث، فالناس مختلفون في كل شيئ حتى في تركيبتهم البيولوجية وهذه سُنَّة الله في خلقه، كما أن كل فرد تعزيه أفكار يأخذها من تجربته في الحياة وهذه الأفكار قد يتخذ منها موقفا، يتحول هذا الموقف إلى قيمة يرتكز عليها في حياته اليومية، هناك قواعد في الحياة ومبادئ نؤمن بها نحن قد لا يؤمن بها الآخر والعكس، إلا أن هناك مشكلات يبتدعها الإنسان، أردت القو أن هناك مشكلات تبتكرها سخافة المرء التي نحتت تمثالا تعبده،صنعت له حضارة المظاهر السخيفة فتعلق بالقشور الخارجية وأهمل كل ما عزيز في جوهره.

 حياتنا تحولت إلى مفاهيم نقرأ عنها هنا وهناك، وتجدنا نتساءل من وَضَعَ هذه المفاهيم؟ ( النجاح والفشل، السعادة والألم، الحبُّ والكراهية، السلم والحرب، التخلف والحضارة، الجهل والمعرف، التكبر والتواضع، الظلم والعدل، العنف والتطرف، الحرية والعبودية، التغيير والتجديد، النور والظلامية وغيرها من الألفاظ والمعاني) فكل كلمة لها نقيضها، وكل كلمة قد تفسر من جوانب مختلفة حسب السياق التي تكون فيه، من أجل تحديد هدف ما، هدف تغييري لِوَضْعٍ ما، في كل هذا وذاك تجدنا نبحث عن المفاهيم التي تحمل قيما إنسانية، ونترك القيم الغير إنسانية (الوحشية) جانبا، بل نسعى إلأى إزالتها قبل أن تتحول إلى قضية (الإرهاب مثلا).

 فكل النشاط الذي يقوم به الإنسان هو من أجل هدف اي من أجل بناء المستقبل، هذا المستقبل الذي تحول إلى هاجس يؤرق حياة الأفراد، فنجدهم يلهثون وراءه لتحقيقه، ألا يجدر بنا هنا أن نتساءل ماهو المستقبل؟ هل المستقبل أن يكون لنا مسكن ووظيفة وسيارة ومبلغ مالي في حساب بنكي؟ هل المستقبل يعني الزواج، أي أن تكون لك زوجة وأولاد؟، هل المستقبل هو الوصول إلى مستوى علمي عالي والحصول شهادات جامعية؟ وهل المستقبل هو أن تكون شخصية مرموقة ( فنان مشهورا تصفق لها الجماهير، أو كاتبا معروفا يكون لك قراء، أو وزيرا أو زعيما سياسيا يهابك الجميع، أو حاكما لك سلطة القرار والتحكم في مصير الآخر، تتكلم عنك الصحف وتنشر صورك في الصفحات الأولى ويظل اسمك تردده الألسن حتى بعد مماتك؟ هناك عظماء منسيون طواهم النسيان ولم يعد أحد يذكر اسمهم أو يطلع على سيرتهم.

كل فرد يستطيع تحقيق الأشياء التي يطمح إلي تحقيقها وإن يوجد الملايين من الناس من لا يتمكنون من تحقيق أمر كهذا، فهل نجردهم من حقهم في الحياة ونجعلهم منبوذون؟ لا نتحدث هنا عن الكسالى الفاشلين، وإنما عن الذين خانهم الحظ في تحقيق ذاتهم، نتحدث عن ذلك الذي كافح ولكنه لم يجن ثمار كفاحه، لأن جهده سُرِقَ منه وحقه انتزع منه غصبا لأنه يعيش في مجتمع فاسد، حوّله من سيد إلى مسود، يراه الناس صغيرا ويعتقدون أنه سيظل صغيرا ولن يكبر، هم وحدهم الكبار، ففقد القيمة التي كان يؤمن بها، تلك القيمة التي كانت نبراسا في حياته، بل كفر بها، لأن الأنانية والإنتهازية واللامساواة سادت بين الناس وأصبح المال هو الذي يحدد قيمة الإنسان كإنسان، بل المال هو من يصنع الإنسان في زمن اتسم بالرداءة، لا ننكر ان المال ضروري لكنه وسيلة للعيش وليس غاية.

 يقال أن السياسة هي فنّ الوصول، ولذا نجد الكثير من الناس تؤسس أحزابا وآخرون ينخرطون فيها، كما يقال أنّ الأمّة لا تنهض إلا على السياسة، أما الحضارة فهي عكس ذلك، الحضارة تقوم على اساس الخدمة وأداء الواجب، بدءًا من الحاكم إلى المحكوم، والحاكم من الحكمة والإنسان الحكيم هو الذي يتجاوز شهوته ويحولها إلى فضائل، لا نقصد بالشهوة تلك التي تخص الجنس البشري، بل شهوة الكذب وشهوة التسلط وشهوة التكفير والتقتيل و...و...والخ، والإنسان الحكيم وحده يحول هذه الشهوات إلى فضائل، فيترفع عن أنانيته وحبه لذاته ويجعل مصلحته لا تتعارض مع مصلحة الآخر، وبذلك نكون قد حققتنا قيمتنا الإنسانية ووصلنا إلى مستوى الحضارة التي حلم بها الفلاسفة عبر كل العصور.

***

علجية عيش

في المثقف اليوم