أقلام حرة

العراق والدهاليز المظلمة وتكريس الفوضى

عبد الخالق الفلاحالتظاهرات على المنطقة الخضراء " احتجاجا على ترشيح الإطار التنسيقي، محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الوزراء "تؤكد على ان لازالت هناك تحديات داخلية وإقليمية ودولية تواجه العراق في طريقه لبناء العملية السياسية، بعد خروجه من فترة الاستبداد المطلق مدى أكثر من 3 عقود سابقة، سخر خلالها الحكم آنذاك كل إمكانيات البلاد لخدمة تسلطه على مقاليد الأمور وتكريس وفرض نفسه على العراق، وفرق أبناء الوطن الواحد على أساس الطاعة والولاء له .

ولاشك ان الجماهير اليوم تراقب مجريات الأحداث والشخوص لمعرفة حقيقة كل منها وكشف عوامل الزيف والحقيقة لان هذه المرحلة هي تجربة لاختيار العناصر التي تتمثل فيها الوطنية والإخلاص وحرصها على إنجاز المشاريع التي ترى فيها مصلحة البلد لبناء العراق ومستقبله ومن هو يفكر في مصلحة الخاصة وداعم لعناصر التخريب وانهدام الوطن . يبدو أن الأزمة السياسية آخذة بالتصاعد باتجاه معطيات قد تضع الجميع أمام تحديات كبيرة، أمام مواقف لا يمكن الخلاص منها و من الصعب السيطرة عليها، لاسيما بعد فشل نموذج الحكم، وتأثيراته السلبية في العملية السياسية، وعلى المجتمع، فهذا الأنموذج قد فرض هيمنته على الواقع السياسي العراقي منذ عشرون عاما، وانعكست فرضياته على مجريات المشهد، حتى بات عمل المؤسسات السياسية والاقتصادية والأمنية بحسابات هذه الافة الخطيرة التي نهشت الاجساد والمجتمع الى درجة أن البعض أخذ يُروّج لها بوصفها تعبيرا عن فكرة التوازن المغلوطة وكأنها تعبير حقيقي عن استحقاقات وطنية وطائفية.

هذه الصورة المُضلِلة للحالة العراقية، وجدت في نمطية الخطاب السياسي التقليدي مجالا لترويج أطروحاتها، وللقبول بها بوصفها أمراً واقعاً، مثلما وجدت في ضعف البنية المؤسساتية للدولة أرضية يسرت لتكريس التقاسم، وتدوير المصالح السياسية، وبما جعلها السبب الأكثر تأثيرا في إنتاج مظاهر الفساد والفشل والعشوائية وبطء بناء أسس الدولة الحقيقية التي يطمح إليها المواطن. كما أن

خطورة معطيات هذه الحالة تحولت الى مشكلة وطنية خطيرة قد ضعفت النسيج المجتمعي العراقي، فضلا عن تأثيراتها السلبية على تحشيد الطاقات والإمكانيات لمواجهة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي وجدت في هذه البيئة الهشة أرضيتها المناسبة للتضخم وتعطيل أي جهد وطني للوقوف أمام هذه القواعد التي تدعو الى شرعنة وجود مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية تنهض بمسؤوليات البناء الوطني، وحماية الثروات الوطنية، ووضع العراق الديمقراطي الجديد على الطريق الصحيح .اخترقتها عوامل لاتريد لها الخير و تريد ان تسرق المطالب الشعبية

ان حسابات الوقت عامل مهم في التأثير على الأحداث إذا لم توجد الحلول بالسرعة نفسها، بينها السياسية والاقتصادية التي لو تم التركيز على موضوعها بقصد التصحيح، لرأينا أن الوقت عامل من بين العوامل التي تحتاجها السياسة لإنضاج فكرة ما أو حل مقترح، ويحتاجه السياسيون للتهيؤ والمناورة والاستيعاب ومن الجانب المقابل عند المبالغة في الاحتياج لمستوى الاستغراق في التمدد سيكون له الأثر السلبي الحاصل للفعل السياسي المطلوب التعامل معه وايجاد الحلول له على النفوس التي تنتظر الحل قبل فوات الأوان، مما يزيد من كم التعقيد الحاصل ويحول دون تحقيق الحلول المقترحة. الكتل السياسية لا تعمل بشكل طبيعي الى تطبيق قيم الديمقراطية المتمثلة بالسعي الى فرض مفردات الادارة الرشيدة وتحقيق الآمال إنما قيم المصالح واستنزاف الوقت، وبغياب هذه القيم لا يكون للمؤسسات المختلفة دور فعال في تقديم الخدمات العامة، وينعكس ذلك على وهن وعدم كفاءة القطاع العام، وشل القطاع الخاص المحلي وخوف القطاع الأجنبي للدخول في الأعمال . ان الوهن والضعف والخوف المشار اليهما كانت مادة خصبة في افتعال الازمات والخلافات القومية والمذهبية والسياسي، لو أخذنا الأزمة الحالية في تشكيل الحكومة بنظر الاعتبار والتدقيق نجد أن موضوعها أخذت وقتا كبيرا دون وضع العلاجات المناسبة، و وضع أصحاب الحل من السياسيين أنفسهم أمام مأزق جديد بل وأكثر من مأزق مطلوب لحله و تعد مجموعة تعقيدات اخرى اسهمت في تغيير تمنيات الجمهور وحورت من بعض أفكاره لقبول الحلول التي قد تدفعه لرفض ما كان حلا مطروحا في الأمس والمطالبة بحلول يستصعبها السياسيون اليوم وقتا إضافيا للدراسة والتفكير بغية إصدار القرار، أن عامل الوقت مهم واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب مهم وان احتساب الوقت لا بد وأن يكون دقيقا والذي لم يستخدم في أزمته الحالية بشكل صحيح، بعد أن أخذ التفكير بالحلول وصياغتها وقتا يكاد يكون طويلا ودخلت فيها عوامل المراوغة بعد أن مرت الحلول المقترحة في دهاليز المناورة وقتا طويلا . والاستنتاج أيضا أن بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية لم يدركوا حتى وقتنا الراهن عامل الزمن بنظر الاعتبار ولم يعوا جيدا أبعاد المشاكل التي قد تنتج عنها في التاخير، وأن استمرارهم في التجاوز على الوقت عامل سلبي مؤثر في ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل التي تعصف بالوطن، ان خصوصية العراق الحالية تتطلب حل الازمة السياسية القائمة بأختيار حكومة تكنوقراطية غير محسوبة على الكتل والاحزاب المذهبية او القومية، تتمتع بصفة الفريق الواحد و بمهارات عالية تتناسب وحجم التحديات التي يواجهها العراق، وأن يكون لها برنامج عمل يستند على أسس وتجارب عالمية .

***

عبد الخالق الفلاح

 

في المثقف اليوم