أقلام حرة

العباسيون والفضاء!!

صادق السامرائيلا أدري لماذا تتوارد فكرة أن العباسيين هم أول من حاول إختراق الفضاء وعبّروا عن تلك الإرادة بالملوية، التي في جوهرها تمثل قوة إقلاع إلتوائية مضادة للجاذبية الأرضية، تريد الخروج من قبضتها والولوج في مطلق الفضاء.

قد يستغرب القارئ من هذا الطرح، لكن الملوية طلسم معماري مكتوب بأبجديات إدراكية عميقة ومعقدة، للتعبير عن معاني ورؤية الدولة التي بسطت أجنحتها على معظم أنحاء الدنيا.

إنها ملكت الأرض وتسعى لإمتلاك الفضاء !!

نعم الملوية أول محطة فضائية روحية كما تصورها مصممها إذ تخيل آليات إقتحام الفضاء، وبجعلها تدور عكس عقارب الساعة إشارة إلى الإنفتال الذي يختزن فيها طاقة إنطلاق فائقة، وهي فكرة صاروخية وفقا لمفردات وعناصر عصرها.

إنها فكرة إختراق الفضاء التي تحققت بعد ألف عام، مثلما كانت فكرة الطيران التي تمثلها بمفردات عصره عباس بن فرسان، وتحققت في القرن العشرين.

فالأفكار عندما تولد ويعبر عنها في عصرها فأنها تتطور وتأوي في أدمغة الأجيال، حتى تسنح لها فرصة التعبير الأمثل وتكون فاعلة في الحياة.

فالملوية فكرة فضائية سبّاقة، تعبر عن إرادة الدولة العباسية في ذروة قوتها وقدرتها على بسط نفوذها في الأرض، تاقت للخروج منها والهيمنة على الفضاء، وربما إحتلال الكواكب الأخرى، لكن التعبير كان معماريا ولم يكن بأساليب أخرى.

ويبدو أن فكرة إختراق الفضاء ليست جديدة على القوى والإمبراطوريات، بل أنها قديمة قدم الحضارات البشرية، وفي كل حضارة تجد ما يشير إلى هذا التطلع، ففي حضارات بلاد الرافدين وقبلها شواهد على ذلك، وفي زمن الفراعنة الكثير من هذه الرموز العمرانية كالأهرامات والأعمدة المدببة، بل وحتى في هندسة وتصور المنارات في المساجد والجوامع، فكلها تحمل هذه الرؤية المتطلعة لإختراق الفضاء.

إنها تجسيدات أفكار وتعبيرات روحية ذات تساميات مطلقة تريد أن تغادر قيد التراب، وتتماهى مع منبع الوجود ومصدر الطاقات والحياة.

فهل فكر العباسيون بالوصول إلى الكواكب الأخرى؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم