أقلام حرة

عندما يشتاق الإنسان لنفسه !

هل جربت مثلي أن تستيقظ دون أن يعلم بذلك أحد ؟، وتجلس في مقهى على شاطئ لتشارك كأس قهوتك الداكنة السواد جمال أو قبح مشاعرك، أو تلجأ لمطعم لتأكل وجبة سريعة بتلذذ، دون أن تهتم بنشر صور السندويتش والمطعم ورواده على "النت" كما اعتاد أن يفعل "اليوتوبيون"، وهل جربت مثلي أن تنفذ بطارية محمولك أو يتوقف حاسوبك، فلا تنزعج من ذلك ولا تهتم ؟ لأنك لا تريد تصوير منظر فنجان القهوى الذي تحتسيه، والسندويتش الذي تلتهمه بشراهةِ من يأكل آخر زادِهِ، وإنك لا ترغب في إهداء العبارة،أو السطر، أو العبارة الجميل التي وقفت على روعتها وأنت تقرأ الكتاب الذي إصحبته لعزلتك، وإنك لا تود اشراك غيرك في القصيدة التي أوحى لك بها إنفرادك بنفسك أمام زرقة البحر الهادئ؟! وهل جربت مثلي ذلك الإنعزال؟! ربما لا لأنك ممن يظنون أن الوحدة متعبة، بينما هو  ليس بذلك السوء الذي يتصوره من لم يجربه، رغم أن أكثرهم يعيشون أسوء أنواع الوحدة بين أفراد عائلاتهم، حين يكونون في حضرتهم وأذهانهم مشغولٌة بمحادثة إلكترونية مع أشخاص لا يعبؤون حتى بخبر موتهم.

هيا لا تتردد وجرب، فقد كنت مثلك أظن أن أسوأ شيء في الحياة هو أن تكون منعزلا، فأدركت حين كبرت، أن ذلك أرقى وأفضل وأسهل من أن تعيش عكس نفسك لإرضاء غيرك، في حياةٍ أسوأ ما فيها  أن ينتهي بك الأمر مع أشخاص تشعر معهم أنك وحيدا، و اكتشفت وبالملموس أنها ليست قطعا للأرحام، بقدر ما هي قطعٌ لخبث القريب والبعيد، وحدٌ من كثرة القيل والقال، وتجنبٌ للنميمة والكذب، وابتعادٌ عن أصاحب السوء وذوي الوجوه، وإتقاءٌ لحقدهم وحسدهم وقلة عقولهما –إن كانت لهم عقول.

هيا جربها، وحرر نفسك وعقولك من قيود التعلق بمواقع التواصل الاجتماعي وعبودية واسئل التواصل الحديثة، وتذوق الطعم الحقيقي للحياة، وامشي في مناكبها، واسعد بمتعها، ولا تأبه بغير نفسك خلالها، واعلم أنك فيها كما في جنان الله، لكن بلا حور عين ولا أنهار عسل ولا وديان خمر، لكن مع أُناس راقين لا يراقب بعضهم البعض، ولا يتدخلون في حياة الآخرين. 

 وإذا أخترت تجريبها، فإنك لست مضطرا لأن تشرح أو تجلي أو تبين لأي كان دوافع إنعزالك، وإكتفي بترديد المثل الدارج: "أجلس بعيد و تفرج فيهـم تعرف علاش ربي بعدك عليهـم" ولا تنسى أن الإنسان يحتاج أحيانا كثيرة لغلق باب هذا العالم الافتراضي حتى يرتاح،لأن الأجساد عندما تمرض فإننا نخضعها للجراحة أو للدواء، ولكن عندما تمرض العقول يجب عليها أن ترتاح جيدا".

***

حميد طولست

 

في المثقف اليوم