أقلام حرة

ماذا لو خرج الحسين نحو الخضراء مطالبا بالأصلاح؟!

كانت رسالة الأمام الحسين هي الأصلاح يوثقها قوله: (اني لم اخرج أشرا، ولا بطرا ولا مفسدا، وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي.. )

كان من اسباب الثورة، الظلم والاضطهاد والتجويع وتحريف الدين واختلاس اموال الأمة، وتنبيه الحاكم الى ان يعمل بتعاليم الاسلام التي تؤكد على قيم العدالة بين الناس، وان لا يفرّق بين احد من الرعية على اساس القرابة او الطائفة او العشيرة فيكرم من يشاء ويحرم من يشاء، ولا يعتبر ثروة الوطن ملكا خاصا به.. يشتري بها الضمائر والذمم ويسخرّها لمصلحته، وينفقها على ملذاته واشباع رغباته الدنيوية.. مذكّراً بان دعواته الإصلاحية ما كانت للتنافس على الخلافة وإنما لإيجاد أرضية لعمل الحق مقابل الباطل بقوله: (اللهم إنك تعلم إنه لم يكن ما كان منا تنافسا في سلطان، ولا التماسا من فضول الحطام، ولكن لنرى المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنتك وأحكامك). ومن هنا جاءت ثورته من اجل حرية الناس وصيانة كرامتهم الإنسانية، ورفض الذلة التي اعتمدها الطغاة وأتباعهم في تعاملهم مع الناس..

وباستثناء ان يزيد كان فاسقا وشارب خمر (والله اعلم بمن في الخضراء من الحسينيين!)، فان مساويء حكّام النظام الحال أقبح من مساويء نظام يزيد في ظلم الناس وقتل من يتظاهر مطالبا بالاصلاح ونهب المليارات وتضاعف بطالة الشباب وتجويع 13 مليون عراقي مع انهم يعيشون في أغنى بلد بالمنطقة!.. ما يعني ان اسباب الثورة على النظام الحالي هي نفس اسباب ثورة الأمام الحسين على نظام يزيد.. التي توصلنا الى التساؤل:

ماذا لو خرج الأمام الحسين متوجها الى الخضراء مطالبا بالأصلاح؟

سيكون المشهد تراجيديا في كوميديا سوداء..  كالآتي:

سيقف السياسيون السنّة والكرد من سكنة الخضراء موقف المتفرج..  يراقبون، وحين يدعونهم شركاؤهم السياسيون الشيعة الى ان يتخذوا موقفا، سيردّون عليهم (الحسين امامكم وانتم وأياه تنجازون).. ولهم في ذلك قوة الحجة!.

وقريبا من اسوار الخضراء.. سترى الجماهير وراء الحسين.. لها أول وليس لها آخر.وحين يرى حكّام الشيعة خطورة الموقف سيشكلون وفدا يتفاوض مع الحسين، وحين يردّ عليهم بالأصرار على الأصلاح فانهم سيخيرونه بين ان يعود من حيث أتى أو القتال.. فيلتفت الى العراقيين ويقول قولا مماثلا لقوله (ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين .. السلة او الذلة وهيهات منا الذلة) فماذا تقولون؟. فيجيبونه بقول مماثل لقولهم (فوت بيها وعا الزلم خليها!).. وحين( يفوت بيها) سيواجه عشرات آلاف المسلحين من الفصائل والميلشيات المسلحة، وألافا اخرى من حمايات فلان وفلان، ودبابات وراجمات وصواريخ ما رآها في حياته، تحذره ان تقدم خطوة فسيطلقون النار.. ويخطو الخطوة فتشتعل جهنم، فيلتفت وراءه فلا يرى من تلك الملايين غير مئات من شباب رافعين لافتات (نريد وطن)..

يتوقف الحسين فيتذكر يوم خذله العراقيون عند بيعتهم له وقتل رسوله وسفيره اليهم، مسلم بن عقيل.. فيستعيد خطبته عليهم ( تبا لكم ايها الجماعة وترحا، أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا.. وحششتم علينا نارا اوقدناها على عدونا وعدوكم...)

يدير ظهره نحو الشباب الذين ما يزالون رافعين راية (نريد وطن) فيخاطبهم (تعالوا يا أنصاري.. لا اريد لكم ان تقتلوا كما قتل من ناصرني.. تعالوا يا احبتي).

يحتضن صاحب الراية ويعطي ظهره للخضراء عائدا بهم الى كربلاء!.. وتصدح هلاهل زوجات (الحسينيين) المنتصرين، فيما السنّة والكرد ينظرون الى بعضهم فرحين غير مصدقين!.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

في المثقف اليوم