أقلام حرة

قول وقائل!!

موروثنا المعرفي يزدحم بالأقول المنسوبة لمَن يُدّعى قائلها، ولو أحصينا الأقوال المنسوبة لبعضهم، لتبين أن القائل بحاجة للعيش بضعة قرون ليقولها، ومعظمهم لم يتجاوز العقد السادس من العمر إلا ببضعة سنين.

ما يهم القول وفحواه وما يشير إليه، وليس قائله، فإلصاق القول بقائل ما يُراد منه التسويق والترويج، ويكون تأثيره عند ذاك متصلا بتأثير القائل في حياتنا.

ولا تزال لعبة نسب الأقوال لقائل ما ناشطة، خصوصا في زمن التواصل السريع، الذي يغرقك بالأقوال المنسوبة لهذا وذاك، وعندما تتأملها وتعقلها تجدها لا تمت بصلة إليهم، وتجد ذات القول منسوب لعدد من القائلين.

ويبدو أن نسبة القول لقائل ما فيه مغزى سياسي ونزعة لتعطيل العقل، والجزم بأن القول لمَن علينا أن نتبعهم ولا نفكر بما قالوا وفعلوا، لأن ما يقولونه أوامر وما يفعلونه واجب الإتباع.

ولكي تنسب القول للقائل عليك أن تبجله وتقدّسه وتحسبه من الرموز الخارجة عن مواصفات البشرية، وتحرره من إرادة التراب، وهو مثلك سيسعى لحتفه ذات يوم قريب، ويكون طعاما للديدان.

إن نسبة الأقوال لقائل مؤثر ومشهور لعبة خداعية تضليلية لتمرير غايات خفية، وقد تم العمل بهذه اللعبة منذ بداية تأسيس الدولة، التي إمتطت الدين ليكون وسيلتها للحكم، فتحول الحاكم إلى خليفة الله في أرضه، وطاعته من طاعة الله ومَن يعارضه يكون من الكافرين.

فالأقوال بحاجة إلى نظرة عقلانية علمية لإستخلاص جوهرها، وعلينا أن نجردها من قال فلان وذكر علان، فالكثير منها تراث أبدعته الأجيال على مر العصور وتراكم في أرشيف ذاكرتها، فلا يجوز إعفال ذلك وجعلها من أقوال هذا وذاك.

البعض ينسب أقوالا لأشخاص بعد قرون عديدة، بل وخطب طويلة ومعقدة، وكأن الذاكرة البشرية حملتها دون تشويه وتحريف، ولا توجد مخطوطات تؤكدها، ولا كتابات تشير إلى أنها قيلت في حياة ذلك الشخص.

والمقصود بالأقوال كل ما يُدّعى نسبه لشخص بعد وفاته بقرون، أو عقود.

فهل يصح نسبة مئات الآلاف من الأقوال لشخص ما، ولو حسبت الوقت اللازم لقولها لتبين أنه أضعاف عمره، لو تكلم بها على مدى يومه بلا توقف؟!!

وهل لنا أن نثوب إلى رشدنا، ونتفاعل بعقولنا المعاصرة، بدلا من الإرتهان بالأقوال؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم