أقلام حرة

التطعيم ضد الكلمات!!

هل يمكن تلقيح (تطعيم) البشر بأمصال ضد الكلمات؟

السؤال غريب، وظاهره فقدان الكلمات لدورها في صناعة الحياة الحرة الكريمة توجب طرحه.

الكلمة لها قيمتها وإلتزاماتها في مجتمعات الدنيا المعاصرة، وعندنا لا قيمة لها ولا أثر في الحياة، ودليلنا أن الإعلام تناول التحديات وتدارسها وحللها، ووضعَ المقترحات لمداواتها، وما فطن لها  كرسي،  وصار تعبير (كلام جرائد) يعني الهذربة، واللاجدوى واللامعنى، فما قيمة الكلام في أمة تضام ونورها ظلام؟

إن بناء المناعة ضد الكلمة بدأ منذ مطلع القرن العشرين، حيث تحقق إفراغ اللغة من أهميتها والإستعاضة عنها بلغة المستعمر، الذي  أجهز على ذات الأمة وهويتها، فصارت لغة الضاد غريبة، ومعانيها مغيبة ، فيتعلم التلاميذ مفردات لغة أجنبية أكثر من مفردات اللغة العربية.

ومن ثم جاءت الأنظمة الشمولية التي لا تسمح بالكلام، ولديها القرار الفصل بكل مقام، فأصبحت الأجيال تخاف الكلمات، لأنها قد تقضي إلى فقدان الحياة، " لسانك حصانك، إن هنته هانك وإن صنته صانك"

وموضوع الكلمة والحياة، مأساة عربية منذ قديم الزمان، وهناك أشعار وأقوال تصف كيف أن اللسان بكلمة واحدة يتسبب بقطع الأعناق.

وفي زمن التواصل السريع، إنطلق الكلام على عواهنه، تحت شعار حرية التعبير عن الرأي، فالكلام لا يطعم من جوع ولا يأمن من خوف، وقافلة الظلم والفساد والنهب والسلب تسير على هديها، وقل ما يحلو لك من الكلام.

ولهذا نجد الأقلام بارعة في الكتابات التهكمية الهجومية، والمعني بالأمر يضحك ويزداد شرها وإمعانا بالإستحواذعلى المزيد من الثروات، ما دام الرقيب غائب، والكلام سائب، والنهب والسلب واثب، والناس في مصائب.

وبموجب ذلك، فالكراسي لا ترى ولا تسمع، وتجيد مهارات اللفظ السريع والسرط الفظيع.

فما قيمة الكلام الذي يُكتب؟

فهل مات الكلام، وعم الخصام، وتأكد الحطام؟

وتقطعت الأرحام والناس في سقام وإنهزام!!

إنها محنة الكلام بالكلام، وكل كرسي إمام!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم