أقلام حرة

العلماء والفقهاء والكراسي!!

يتوهم الغافلون لتراث الأمة بأن العلماء في مسيرتها لم يتناولوا مسألة الحكم بالدراسة والتحليل، ولم يضعوا المناهج والرؤى اللازمة لإقامة العدل، وتأمين حقوق المواطنين وصيانة الدولة وتحديد مَهام الحاكم، وما مطلوب منه للقيام بواجبه بما يرضي الله، فيعدل مع الرعية ويحافظ على وجودهم العزيز.

وعندما نتفحص التراث المعرفي للأمة نجد العديد من الكتب والرسائل والنصوص، المدونة بجرأة وذكاء وحرص على ذات الأمة ودورها الإنساني، ومعظمها ترسم معالم الطريق السليم للذي يتولى أمور الدولة.

والمشكلة التي تسببت بتدمير مسيرة الحكم العادل، وعدم تأسيس قدوة قيادية تحتذي بها الأجيال، هم فقهاء الكراسي الذين كانوا يحفون الشخص الأول، ويبررون سلوكه بفتاوى وتخريجات لا تتفق ومعايير الحكم الرشيد والإنصاف الحميد، مما أدّى لإنحرافات سلوكية توارثتها الأجْيال، ومضت على سكتها المضطربة الخالية من مبادئ ومعايير الصراط المُستقيم.

فهناك كتب ومخطوطات تعالج مسائل الحكم، وتضع المواد والضوابط السلوكية، الكفيلة بصلاحها ورجاحة آلياتها التشريعية والتنفيذية.

ويبدو أن الفقهاء المقربين من الكراسي، كانت لديهم معارف بنوازع النفوس وخبايا الصدور، وهؤلاء المبتلون بهذه الموهبة أو الفراسة، جلبوا الويلات على الأمة، لأنهم يقرأون خلجات الجالس على الكرسي ويأتونه بما يرضيها، فيغنمون أكثر ويفوزون بالجاه والحظوة.

وما ورد في كتب التأريخ يوثق العديد من تخريجات الفقهاء، المبنية على إرضاء رغبات أصحاب الكراسي، وكأنهم كانوا يتاجرون بالدين، ويتربحون بفتاواهم ويغنمون.

قد  لا يتفق البعض مع ما تقدم، لكن دور الفقهاء في تعطيل دور الأمة كبير، ويُذكر أن قادة الأمة أدركوا ضرورة العلم والمعارف المعاصرة، وأرادوا أن يتخذوها سبيلا للقوة والتقدم منذ بدايات القرن التاسع عشر، لكن فقهاء الكراسي إحتجوا وإعتبروها بُدعا ستدمر الأمة والدين، وكانت مواقفهم تلك هي المدمرة لوجود الأمة.

ويبدو أن حرص القادة على الكراسي وخوفهم من إثارة الشعب ضدهم من قبل الفقهاء، كان وراء إذعانهم، وعدولهم عن إتخاذ سبيل العلم.

وكما نشاهد في الكراسي المؤدينة المعاصرة، كيف أنها حوّلت بعض دول الأمة إلى مرتع للفساد والرذيلة، بإسم الدين، الذي يتمنطق به المتاجرون بأسمى ما فيه، وهم يخدعون المغفلين، ويجهِّلونهم ويستعبدونهم بالدجل والتضليل والإفتراءات على الدين.

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم