أقلام حرة

"وجدان" عراقي

عندما تشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات تحرض على الكراهية، وتسخر من كل شيء عراقي، فإنك تكون على بعد خطوات من قيم السذاجة. عندما تقرأ تغريدة لسياسي عراقي يطالب باجتثاث كل من يختلف معه،

فإنك تجد نفسك في مجتمع يرفع شعار البقاء لمن يحمل السلاح. ولهذا أجد أن المقارنة تفرض نفسها بين موقف مجموعة تفهم الوطنية على أنها حصة من الامتيازات والمكاسب والمناصب، وموقف مجاميع تجد أن هدفها في الحياة هو تقديم صورة مشرقة للعراق الذي لايزال في أذهان الكثيرين بلداً للتناحر الطائفي..

منذ أشهر أتابع ما تقوم به الفنانة العراقية "وجدان الماجد"، تحمل عدة الرسم، تسير بهدوء تتفحص جدران مد=ينتها بغداد لتمرر عليها ريشتها، مستعيدة شخصيات لا تزال تعيش في وجدان العراقيين، فها هو مظفر النواب يحمل سلامه لبلاده، وهو من خلال ألوان وجدان الماجد يقهر الغربة، مؤكداً لمن ينظرون إلى ملامحه أن الأوطان أبقى من كل ألاعيب الحواة والانتهازيين، في زاوية أخرى يحذرنا علي الوردي بسدارته البغدادية من السير في ركاب مندوبي الطائفية الذين يعتقدون أن الحــلَّ لأزمات البلد هو تحويل الشعب إلى قبائل، وها هو شاعر الكرد عبد الله كوران يطلق صحيته:

أخي العربي

ياذا العينين السوداوين

مـُرّاً كان نصيبك

مُـرّاً كان نصيبي

قد جرعنا المرارة من كأس واحدة

فأضحت أخوّتنا عسلاً شهيـاً

من بعيد تبدو زها حديد سيدة العمارة حزينة وهي ترى الخراب يزحف على مدينتها بغداد.

أنظر إلى وجه الفنانة وجدان الماجد وهي منهمكة بتزيين جدران بناية قديمة بلوحة من لوحات جواد سليم اوحافظ الدروبي اوإسماعيل الشخيلي، وأنا أقول لبعض الزملاء متحدياً أن نجد سياسياً يحب العراق مثل هذه الفنانة، التي ينظر إليها المارة بدهشة وهي تخلط اللوان لتضيف الفرح إلى شوارع بغداد، إنها تأخذنا معها إلى عالم جميل وتخبر المئات ممن ينظرون إليها بدهشة: أن هدفها أن تكسر بالألوان المفرحة كل الرتابة والفوضى التي يريد لها البعض أن تخيّم على بغداد.

عندما أنظر إلى اللوحات التي رسمت عليها ملامح عراق متعافٍ.. وجوه سعت إلى اكتشاف جوهر هذا الشعب.. اجد نفسي أمام مواطنة عراقية تريد أن تنفض عن هذا الوطن غبار الحزن والخراب، ولعل أجمل ما قدمته لنا وجدان الماجد أنها أثبتت أننا شعب لم يتفسخ بعد، رغم سياسة التنكيل والإفساد وشراء الذمم التي مورست خلال السنوات الماضية، شعب لم يفسد رغم محاولات البعض إفساد مناخ الوطنية فيه وزرع قيم الطائفية وإشاعة نظريات التوازن واللعب على كل الحبال، ما تفعله وجدان الماجد هو استعادة مبهجة وبالالوان لأصالة ووطنية الشخصية العراقية في لحظة تصوّر البعض أن أحزاب الطوائف استطاعت أن تحرق مساحات الفرح والخضرة فيها.

***

علي حسين - كاتب

في المثقف اليوم