أقلام حرة

رجل وامرأة فمولود.. أول الإجابات!

هذه هي أول الاجابات التي سيحصل عليها الطفل وهو في مرحلة تلقي البدهيات العقلية والواقعية والتي ستكون كافية في سن مبكرة رغم أنه لا يفهم الأمر على الدقة ولكنه سيقبله بعمومه على اعتبار أن (الاب والام) موجودان واقعيان وهما كذلك مصدر عاطفته وحاجاته لذلك فإنه سيكون مستأنساً لهذه النتيجة فلا حاجة له أن يُعقِب، ولكن هذه الاجابة لن تصمد طويلا حيث أن العقل البشري يمتلك امكانيات مختلفة ومتنامية للقياس والمقارنة وملاحظة الفوارق والتمييز بين ماهو منطقي وماهو غير منطقي وهذه الإمكانيات تتطور طردياً مع نمو هذاالجسد المادي الذي يحوي الدِماغ وما فيه من خصائص تقنية متنامية لكي يستخدمها العقل لذلك سيبدأ من جديد بطرح نفس السؤال (من أين) ولكن هذه المرة بشكل مختلف وأكثر وعياً وأكثر تحديداً بمعنىٰ أنني لم أكن أسأل عن تقنية الاخصاب والولادة وانما من اين اتيت، قبل أن أكن موجوداً بمعنىٰ من خلق آلية الاخصاب التي أنتجت هذا الراشد الذي يسأل؟ اذن هو هنا قد اكتشف أن الجواب لم يكن كافيا وأنه يريد أن يسأل عن ماقبل ذلك، الان سيُقال له أنه الله،، (من هو الله؟) مباشرة سيسأل وربما سيسأل أكثر من سؤال في آن واحد منها (أين هو الله) الان ستبدأ مرحلة الصراع بين ماهو جاهز من الاجوبة التي تملأ كتب التراث وهي في غالبها اجوبة لاتريد أن تجيب عن هذه الأسئلة لأسباب تتعلق بالجهل أو بالحرج من تناول هذا الموضوع بشكل مباشر لذلك يذهبون إلى تحديد سقف لايمكن تجاوزه في النظر إلى الخلق والخالق وبذلك فإنهم يغلقون الباب والنوافذ لكي يتجنبوا مواجهة الريح، في الواقع أن إغلاق الابواب والنوافذ كان حلا مثاليا في مراحل طويلة من التاريخ البشري بسبب المستوى المتدني للوعي البشري الا أن هذا العامل لم يعد موجودا فالمجتمع البشري أصبح في مستوى يؤهله للمعرفة مما سيدفعه إلى البحث عن ابواب ليست مغلقة لتحصيل المعرفة وهذا مايحدث واقعيا حيث لم تعد مقبولة كثير من الاجابات على كثير من الإسئلة الجوهرية ....

من هو الله واين هو الله؟.

في الواقع أن الاجابة عن هذين السؤالين الهامين يتطلب الفصل بينهما وترتيب الاولوية للأسئلة ليأتي اولا

من هو الله؟

طبعاً سيكون الجواب هو الخالق ولكن من هو هذا الخالق !!؟ ومن هنا ستتفرع مجموعة من الاسئلة الجديدة، فليس من المعقول أن يسألك هذا السائل من هو هذا الخالق لتعود وتقول له أنه الله، فهو كان قد سال من قبل عن من هو الله فقلت له أنه الخالق اذن لايمكن الاستدارة هنا بمعنى أنه يسأل عن ذات الخالق وكُنه الخالق وحقيقة وجوده، في الواقع ليس هناك من وصف للخالق تعالىٰ كما وصفه امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام الذي قال فيه رسول الله صل الله عليه وآله وسلم بأنه لايعرف الله الا انا وانت ولايعرفني الا الله وأنت ولايعرفك الا الله وأنا.

يقول الإمام عليّ(ع) (ان أوَّل الدِّين معرفته وكمال معرفته. التّصديق به وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنه غير الصّفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدَّه، ة ومن حدَّه فقد عدَّه، ومن قال فِيمَ فقد ضمَّنهُ، ومن قال علام، فقد أخلى منه، كائنٌ لا عن حدَثٍ، موجودٌ لا عن عدم، مع كلّ شيء لا بمقارنة، وغيرُ كلّ شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصيرٌ إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحِّدٌ إذ لا سكن يستأنسُ به، ولا يستوحش لفقده). اذن نحن وفق وصف امير المؤمنين لله تعالىٰ،أمام وصف للفارق في التصور لمن هو خارج التصور فالتصور هو رسم صورة للمُتَصوَر وفق الأدوات المُتاحة فإذا علمنا أن الأدوات المُتاحة لرسم هذه الصورة هي ادوات تتلائم مع الموضوع الذي أعدت لتناوله وهو الجسم المادي المحدود الذي يتلائم مع هذه الأدوات وهي الجوارح الخارجية التي تتيح المشاهدة واللمس والسمع والتذوق، اذن فأن من غير المحتمل أو الوارد أن تستطيع استخدام اداةً مُعدةً للطيران مثلاً لاستخدامها في غير مورد الطيران كأن تذهب لتغوص بها في البحر، اذن نحن أمام حقيقة منطقية تتعلق بالتناسب وعليه فإن معرفة الله تعالى التي تحدث عنها امير المؤمنين انما تتعلق بالفارق المنطقي بين حالتين نعرف أحدهما وهي الحالة المادية التي نحن عليها بادواتها المتناسبة مع موضوعاتها والحالة الثانية وهي ما لاتتناسب ادواتنا المادية مع موضوعاتها، لذلك فإن أول الدين (معرفته) بمعنىٰ معرفة الفارق بين الحالتين وهما هنا يمثلان ماهيتين مختلفتين وهما كذلك في مرتبتين مختلفتين من حيث أن مرتبة الحيز المادي التي نحن فيها هي المرتبة الدُنيا وهي مانطلق عليه الحياة الدُنيا وبين المرتبة العلوية. التي نسأل عنها هنا، لذلك فإن إمكانية المرتبة الدنيا لتناول ومقاربة المرتبة العليا متعذرة موضوعياً بينما المرتبة العليا يمكنها ذلك رغم اختلاف الماهية لأننا لانعلم ماهي أدوات تلك المرتبة وهنا يتبين أن جهل الادنىٰ بماهية الاعلى هو عين معرفة واقعية الفارق لذلك فأن أول الدين معرفة علويته ومن أقر بهذا الفارق فقد عرف عظمته ومن عرف عظمته فقد قبل طاعته لأن الأدنىٰ لايضيره أن يطيع الاعلى وهذا هو المطلوب وهو أن تطيعه بعد معرفته لذلك كان من لوازم الدين معرفته، اذن بالنتيجة أن معرفة الله تعالى تستلزم الطاعة والطاعة يجب أن يكون لها مصاديق واقعية تتعلق بأوامره ونواهيه وهذا مايطلق عليه (الدين) وهو المعبر الواقعي عن معرفة الله وتعظيمه.

***

فاضل الجاروش

 

في المثقف اليوم