أقلام حرة

لصاحبها فالح الفياض

تواجه حكومة محمد شياع السوداني مشكلة كبيرة تختلف عن مشاكل الحكومات السابقة. المشكلة تتلخص بشعور الوصاية والتحكم الذي يحمله فالح الفياض تجاه رئيس الوزراء.

يشعر الفياض بأن جهوده المكثفة في تهيئة الأجواء لوصول السوداني الى رئاسة الوزراء، يجب أن تُقابل برد الجميل. ويتمثل ذلك بأن يستجيب السوداني لطلباته واختياراته في تعيين من يريد في المناصب المهمة، ومن ذلك اختياره (إحسان العوادي) مديراً لمكتبه.

يحمل الفياض طموحات واسعة، وكان يسعى لتولي رئاسة الوزراء منذ عدة دورات سابقة، لكن طريقته تختلف عن الآخرين، فهو يعتمد على دعم القوى الكردية والسنية أكثر من اعتماده على الكتل الشيعية، بحكم علاقاته الوثيقة مع تلك القيادات وخصوصاً مع خميس الخنجر.

عندما اكتشف الفياض أن فرصته في رئاسة الوزراء ضعيفة، بذل جهوده لإقناع قادة الإطار على اختيار السوداني، واستطاع ان ينجح في مسعاه. لكن الترشيح لم يمض في السياق المعتاد، حيث أعلن السيد مقتدى الصدر احتجاجه الشديد وأطلق أنصاره لاحتلال البرلمان وتعطيل جلساته.

أقدم فالح الفياض وبتأييد من نوري المالكي على إبرام صفقة سياسية مع مسعود البارزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر، تقضي بتقديم تنازلات للكرد والسنة مقابل تشكيل تحالف إدارة الدولة، وهو الاسم الشكلي الذي سيتولى انعقاد جلسة البرلمان واختيار رئيس الجمهورية ثم تكليف السوداني برئاسة الوزراء.

كانت الصفقة سرية مثلما هو الحال في معظم محطات العملية السياسية، وقد جرى توقيعها في أربيل عاصمة الصفقات السرية الكبيرة.

تعهد الفياض لشركائه الكرد والسنة بقبول شروطهم نيابة عن السوداني ـ وربما من دون علمه ـ وكان من أخطر البنود:

أولاً: إعادة نظر المحكمة بقرارها حول تصدير نفط الإقليم وإصدار قرار جديد يعيد الأمور الى سابق عهدها بخضوع النفط لسلطة كردستان.

ثانياً: إخراج الحشد الشعبي من المدن السنية وإبعاده عنها، والعمل على الانسحاب من جرف الصخر. (مع ملاحظة أن الحشد لا يتواجد داخل المدن إنما على أطرافها).

ثالثاً: صرف المرتبات لعوائل (المغيبين) وبأثر رجعي.

وافق الفياض ـ والمالكي ـ على هذه الشروط، وجرى عقد جلسة البرلمان وتم تكليف السوداني من قبل رئيس الجمهورية. واللافت أن بعض المقربين من الفياض والمالكي حين يحاصرهم الإحراج على هذا الاتفاق يجيبون بإنه حبر على ورق.. تبرير يعكس أمراً مؤسفاً.

عند هذه النقطة وقف فالح الفياض على رأس السوداني يريد أن يحصل على الامتيازات ثمناً لما قدّمه من أجله. وكان الفياض يريد وزارة الداخلية، وكاد أن يحصل عليها لو لا كثرة التعديلات التي حدثت في الساعات الأخيرة، فغيّرت خارطة الحصص، وحصل الفياض على وزارة الاتصالات ذات الغلّة الجيدة.

بعد منح الثقة للحكومة، بدأ الفياض يتصرف بطريقته العميقة في السيطرة على المفاصل القوية والحساسة في الدولة، مستفيداً من الفضل الذي قدّمه للسوداني.

يمتلك الفياض نظرات عميقة، يرصد بها مواقع القوة وموارد المال فيرسل لها اخوانه ورجاله فيقتنصها بخفة وهدوء.

سيواجه السوداني مشاكل صعبة وسيخيّب تطلعات الشعب العراقي ما لم يتخلص من وصاية الفياض. إن عليه أن يتصرف باعتباره رئيس الوزراء الذي اختاره الإطار وصوّت له البرلمان، وليس صنيعة الفياض. قرار السوداني هنا وتعامله مع الفياض سيكون هو الحد الفاصل بين النجاح والفشل.. بين الأمل والخيبة.

***

سليم الحسني

٦ تشرين الثاني ٢٠٢٢

 

في المثقف اليوم