أقلام حرة

ايمان المسلم بين التصديق بالنبوة والتسليم

ان الإنسان العاقل الذي تجسد بآدم عليه السلام وما بعده عاش على الفطرة الغير ملوثة بشوائب العالم البدائي والتي فطر الله تعالى الناس عليها في كيفية عبادته لكن فيما بعد أعتمد في تفكيره البسيط على المشخص من الحسيات للوصول إلى معرفة الله وأعتبره من الغيبيات التي هي خارج الوعي الإنساني والإيمان بها أمرا صعبا في التصديق وكلما أبتعد الإنسان البسيط عن عبادة الله تعالى احتاجت الإنسانية إلى الأنبياء والرسل كمنذرين ومبشرين ومبلغين لقومهم مؤيدين بالآيات الحسية الملموسة على أرض الواقع تدعم رسالتهم الألهية (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) سورة البقرة الآية 3 و(ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) سورة التوبة الآية 70 وحين تطورت الإنسانية وزادت معرفتها لكنه الطبيعة وتعقدت الحياة كلما زادت الحاجة في التفكير للوصول إلى معرفة الخالق وتطبيق تعاليمه وشرائعه التي جاءت على لسان رسل الله تعالى وفق الأزمنة المعاصرة لهم فكان كل نبي أو رسول مرسل من قبل السماء معه آيات بينات بين يديه لتثبيت رسالته في قلوب قومه وحسب الحاجة منذ النبي نوح عليه السلام كأول من أستوطن الأرض وعمرها فقد رؤوا الآيات كفوران الأرض بالماء والطوفان والنجاة منه بعد الإيمان بالله تعالى والتوكل عليه ومن بعده نبي الله إبراهيم عليه السلام ونجاته من النار سالما وانتصاره على طغاة عصره الذي كفروا بالله ولوطا عليه السلام وكل هذه الحقب الزمنية المتباعدة بينهما طالب العقل الإنساني بالمعجزات الحسية المشخصة والآيات البينات الملموسة على صدق نبوة رسلهم وصولا إلى النبي موسى بن عمران عليه السلام فقد كانت اليهود من أكثر الناس عنادا وتشددا ولجاجة على الله ورسالته ونبيه وحادوا وشاقوا الله تعالى بعد ما بين لهم من الآيات الكثيرة على يدي نبيهم موسى منها اليد البيضاء والثعبان المبين والجراد والقمل والدم والضفادع والرجز وانفلاق البحر لموسى كما جاء على لسان القرآن الكريم في سورة البقرة من الآيات 50-57-60-67ثم من بعده قوم هود وصالح بآية الناقة وعيسى بن مريم عليه السلام بشفاء الأكمه والأبرص وخلق الطير وإحياء الموتى بأذن الله تعالى تأيدا لنبوة عيسى عليه السلام . وعندما ختمت الرسالات الدينية بخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ووصل الإنسان إلى مرحلة النضج الفكري والنفسي الذي يؤهله لحمل خاتمة الرسالات السماوية بالرغم من انحراف البعض من الناس الذي شوهوا الرسالات القديمة فقد أختار الله تعالى خاتمة رسالاته المكان والزمان والشخص المناسب والأمة المختارة التي حملت لواء هذه الرسالة العظيمة الشمولية الإنسانية للعالم جميعا وحامل الرسالة المختار من الله تعالى وهو سيدنا محمد صلوات الله عليه وبالرغم من ذلك فقد طلب البعض من المشككين بها بالآيات على صدق نبوته عنادا وتثبيطا للمؤمنين الجدد لكن الرفض جاء من الحق سبحانه وتعالى (لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين) سورة الحجر الآية 7 و(قالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) سورة الإسراء الآية 90 (أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا) الإسراء 91-92-93 وبهذا حذرهم الله تعالى ورسوله من تنزيل الآيات عليهم فسيكون سبب هلاكهم مثل ما سبقهم من الأقوام أما ادعاء البعض من المسلمين بأن الله تعالى قد أيد نبيه محمدا بالمعجزات الحسية المشخصة لتصديق نبوته بطلب من المشركين كانشقاق القمر وتحريك الشجرة فلم تصمد أمام السيرة الحقيقية للنبي أما بشأن الملائكة المسومين والمردفين في معركة بدر فأنها عملية طمأنة للمقاتلين المسلمين وللنبي للثبات في مواجهة العدو فهي معجزة نفسية أكثر منها حسية .فأن نبوة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه بكتابه المقدس (القرآن الكريم) بمضامينه الشاملة لحياة الإنسانية في العالم جميعا بما فيه من تصورات لحوادث الكون السابقة والمستقبلية والحاضرة والأخبار والتعاليم والمحرمات والمعاملات والعبادات فالمسلم المحمدي السابق والحاضر آمن وصدق وسلم بما جاء به تصديقا وتسليما وتطبيقا وبعد مرور عدة قرون تجاوزت أكثر من أربعة عشر قرنا من الرسالة المحمدية وما زال المسلمون ثابتون عل عقيدتهم ورسالتهم السماوية وهذا دليل على صدق الإيمان والثبات على العقيدة أكثر من المسلمين الذين عاصروا نبيهم وأصحابه وأتباعه فأن زيادة الإيمان تزداد مع تباعد الزمن عن الرسالة وخصوصا نحن نعيش في عصر الفتن والمحن والتناقضات والتشويه والتزوير والانحراف عن العقيدة وكلما تطور العلم والاكتشافات الكونية في حياتنا تلقي بظلالها على صحة وقوة الإسلام ورسالته والتوحيد لله الواحد الأحد.

***

ضياء محسن الاسدي

في المثقف اليوم