أقلام حرة

الجامع والناس!!

الجامع من أسماء الله الحسنى، ويُقال المسجد الجامع أي الذي يجمع أهله، ويفيد الإجتماع والتفاعل الإيجابي بين الناس.

ترى ماذا تفعل الجوامع في بلاد المسلمين؟

وما هو دورها في المدينة والقرية والمحلة؟

هل سمعتم بجامع ساهم في بناء مدرسة، أو دارا للأيتام، وأعان الفقراء والمعوزين، وأوجد بنكا  (مصرفا) للطعام، أو موئلا للألبسة والحاجات اليومية للناس؟

هل سمعتم بجامع أو أي دار عبادة حقق الرفاهية الإجتماعية، وتفاعل مع أبناء المجتمع  بروح الإسلام، التي  تدعو للرحمة والمحبة والتكافل؟

هل وجدتم جامعا عمل على تقليل الفقر في المحلة والقرية والمدينة؟

بماذا يقوم الجامع وما هي أهداف وتطلعات أئمة الجوامع، ودورهم في المجتمع؟

تساؤلات لابد من مواجهتها بشجاعة وجرأة وقوة وصراحة، لنرى هل نحن نعبّر عن الإسلام حقا بالعمل والفعل أم ندّعيه قولا وحسب.

لو إنتقلت من مدينة أوربية إلى دولة عربية مسلمة تفصلها عنها بضعة أميال، سترى العجب، وستطفح هذه التساؤلات في رأسك وتصفعك صفعا شديدا.

سترى في المدينة العربية، جوامع ومساجد، تحيطها حالات من الفقر المدقع الأليم، وتفاعلات قاسية من العوز والحاجة، والمذلة والهوان وقلة النظافة.

وتقف متحيرا أمام ما تراه وتتعجب عن سوء الحال، والمساجد والجوامع تنتصب، وفيها يذكر إسم الله ويتعالى الآذان خمسة أوقات في اليوم.

ويعجب المرء كيف ترتضي أن تحاط بالجياع والفقراء والمساكين والحائرين والجاهلين والمصروعين بالأوجاع الإجتماعية.

ترى هل الإسلام دين جياع وفقراء ومساكين، ويستثمر في إدامة سوء الحال؟!!

سؤال يمكن إثارته، لأن الجوامع والمساجد وغيرها من دور العبادة، لا تساهم في محاربة الفقر والجوع والأمية، ومعظمها منشغل بالترويج لغايات سياسية وحزبية وفئوية، وتحاول حشر الدين في السياسة، وتتحول إلى حالة متصارعة مع حالات أخرى.

فماذا قدم الجامع أو المسجد لمجتمعه؟

هل إجتهد في تعليم اللغة العربية والقرآن؟

هل قام بحملات توعية وتثقيف لمحاربة البطالة والفقر؟

هل أوجد مشاريع خيرية لرفع المستوى الإجتماعي والثقافي والإقتصادي لأبناء المجتمع؟

هل سعى للحفاظ على المدارس وتوفير الماء الصالح للشرب، ودعى لإحترام الشجر وحث على الزراعة وبناء المستشفيات ودور رعاية المسنين والمعوزين، ورفع رايات التراحم والتفاعل الإجتماعي الصالح؟

إن أماكن العبادة ربما تحولت إلى مراكز للتجهيل وتحقيق أسباب الضياع والخسران، فهي مكان لإداء الصلاة وحسب، ومَن يدخلها لا يعرف إلا أن يسجد ويركع، ولا يدري من القرآن إلا رسمه ومن الدين إلا إسمه.

هذه حقيقة مروعة سيغضب منها المسلمون، لكنها مأساة دامغة وموجعة، وتؤكد أن الجامع ضعف دوره في الحياة، فلا يقدم شيئا مهما للمجتمع.

فالجامع عليه أن يكون مشعلا متوهجا لتحقيق قيم ومعايير الإسلام الحقيقية الصالحة الرحيمة.

فمن المعيب أن تكون في مجتمعاتنا العديد من الجوامع والمساجد وغيرها، وأعداد الفقراء والجياع والجهلة في إزدياد مرعب ومخيف، والفساد يتعاظم والظلم يتفاقم،  وشروط الحياة الصحية المعاصرة معدومة.

والنظافة بشروطها ومعانيها لا تكاد تكون موجودة والإسلام يحث عليها، ويعززها ويعدها شرطا مهما من طقوس العبادة كالصلاة.

أما الجمال بمعانيه الشاملة فلا تراه وتتمتع به في البيئة التي تحيط بالموقع!!

فهناك تقاطع واضح ما بين دور العبادة والإسلام كسلوك وعمل فاعل في المجتمع.

فمن الخطأ أن يكون الجامع معفرا بالفقر والعوز والضعف والهوان، فالصحيح، أينما وجد الجامع  وجدت الأنوار المعرفية والثقافية والبيئية والنفسية، وتحققت الحضارة والتقدم والإبداع، والصيرورة المتطورة المعاصرة في الحياة.

هكذا يحكي لنا تاريخ الإسلام، وتبدو آياته وأشهاد مسيرته الحضارية الساطعة عبر العصور.

إنّ أحوال الكثير من  الجوامع والمساجد تتنافى مع أبسط معاني وقيم الإسلام، التي تهدف لتحقيق السعادة البشرية والرحمة الإنسانية والتكافل، والقضاء على معوقات التعبير الأمثل عن إنسانية الإنسان ودوره الإيجابي في الحياة.

فهل ننظر إلى جوامعنا ومساجدنا ونساهم في إعلاء شأنها ودورها في بناء الحياة الأفضل؟

أرجو أن نواجه أنفسنا ولا نغضب من المقال!!

***

د-صادق السامرائي

5\12\2010

...................

* كتبت في مدينة طنجة المغربية وقدمتُ إليها من إسبانيا عبر مضيق جبل طارق والمسافة بينهما بضعة أميال.

 

في المثقف اليوم