أقلام حرة

سومر أول الغيث

يعتبر وادي الرافدين واحدًا من أخصب بقاع الأرض لوفرة الماء والطمي الذي تأتي به مياه النهرين من المناطق الجبلية لذلك قامت فيه واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية فقد مارس الانسان الزراعة مما أدى إلى الاستقرارفي جنوب وادي الرافدين في منطقة عرفت باسم سومر، حيث مارس أهل سومر الزراعة والصيد وبرعوا في بناء السدود وقنوات المياه لري أراضيهم الزراعية وكان إنجازهم الأكبر. هو اختراعهم الكتابة في أواخر الألفية الرابعة قبل الميلاد وقد كانت الرموز المستخدمة في الكتابة تُطبع على ألواح من الطين الطري الذي يتم فخره ليتحول إلى رُقُم طينية في مايعرف بالكتابة المسمارية أو الاسفينية وقد سبق ذلك استخدام الصور للتعبير عن المفاهيم الكلامية قبل أن تتحول الى نقوش اسفينية في مايشبه الحروف ومعظم ما كتبه أهل سومر ومن جاء بعدهم في وادي الرافدين كان على ألواح طينية ذلك أن الطين كان يمثل المادة الأساسية لمستخدمة في مجموعة الفعاليات المتعلقة بالكتابة وبناء المعابد والمساكن والقصوربتحويل هذا الطين إلى طوب مفخور بالنار ليكتسب الصلابة اللازمة ، بعد ذلك كانت هذه الألواح الطينية بمثابة وثائق ومخطوطات تاريخية هامة تصف لنا شكل الحراك الاجتماعي لاول الحضارات التي تعمل وفق منظومة إدارة محددة الملامح في جوانبها السياسية بادواتها المالية والعسكرية وتأثيرات هذه الإدارة وعلاقتها بالفعاليات الاجتماعية على مستوى إدارة القضاء وإدارة الاموال العامة وإدارة أثر المعبد في الحياة العامة وتأثير ذلك على الحياة السياسية ...

المَلِك والإلٰه

كان الإنسان منذ القدم يربط بين القوة والآلهة لذلك ولأن أدوات القوة منحصرة بيد السلطةالحاكمة ولأن الإلٰه غير مُعَّرف بشكل واضح بالنسبة لهم فقد أصبح الحاكم بديلاً مناسباً للإلٰه على اعتبار أن الإلٰه بالنسبة لهم هو القوة العليا التي تهب الخير وتمنع عنهم الشر لذلك ستجد في التاريخ القديم كثير من الملوك الآلهة أو انصاف الآلهة كذلك ستجد تصنيفات لآلهة بحسب الحاجات الاجتماعية والاقتصادية مثل آلهة المطر والهة الحرب والهة الحب والهة الحصاد وغيرها من أشكال مُتَصوَرةبحسب الاحتياج؟

الدين والسلطة السياسية

من هنا نفهم أن المزاج الاجتماعي المتعلق دينيا قد خلق بيئةسياسية إضافة لادوات السلطة اداةً فعالة لإحكام سيطرتها على الحكم وهي القدسية الممنوحة طواعية من المجتمع إلى الحاكم وبذلك أصبح الحاكم ملكاً والهاً..

 ظهور مفهوم العدل

بعد ارتكاز مفهوم الدولة وحتمية وجود سلطة سياسية مهمتها ومسؤوليتها إدارة الشأن العام ظهر مفهوم العدل والعدالة الاجتماعية التي تنتظر الرعية تحقيقها من قبل الحاكم الذي يمثل السلطة السياسية فهو الراعي لهذه الرعية ، على أن مفهوم العدل لم يكن مفهوماً تحدده واقعيةالعدل بمعنىٰ أنني استحق مايستحقه غيري بالاعتبار الإنساني وانما هو مفهوم تحدده شكل العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفق العنوان المقدس الممنوح للحاكم بمعنىٰ أن مايحكم به الحاكم يُعدُ حكما الهياً مقدساً عادلاً حتىٰ لو كان فيه إزهاق الروح فهو هبة الهية لذلك كانت الحروب تعنون دينياً والنصر يأخذ نفس العنوان والهزيمة كذلك ستكون غضباً من الرب وكانت تلك المجتمعات تقبل هذا المنطق مادام تحت هذا العنوان.

الظلم وفقدان العدالة

لم يتغير هذا الحال في السلوك البشري انما كان يأخذ أشكال أخرى وعناوين اخرىٰ تتلائم مع تطور المجتمعات البشرية فالسلطة السياسية بأشكالها المتنوعة على مدى التاريخ لم تتخلى عن العنوان الديني كمروض للمجتمع ، وبذلك تم تحويل الدين إلى رافعة للظلم بدل أن يكون رافعة للعدل لذلك فقد عمد الملوك على مر التاريخ إلى محاربة وقتل الأنبياء لا لأنهم سيعلمون الناس الصلاة وانما لأنهم سيسلبون الحاكم هذه الأداة الهامة في سيطرتهم على حركة المجتمع لذلك فإن كل المراحل التاريخية التي مرت وستمر على البشرية ستأخذ نفس المنحى. في اختلال مفهوم العدل والعدالة لسبب جوهري هو أن هذا الإنسان يطالب بالعدل ولكنه لن يستطيع تحقيقه لأسباب موضوعية تتعلق بالدوافع المتعلقة بالصراع بين (الاكتفاء وحب الزيادة)

 تحقيق العدل مطلب انساني  متعذر موضوعياً

أن الصراع والتدافع القائم بين جهتي الصراع الخير والشرسيُشكل عائق أمام تحقيق العدل فليس من المحتمل يوما أن يترك الإنسان دوره في هذا الصراع إن خيراً أو شراً لذلك فأن الفارق بين الجهتين سيبقى قائما بصرف النظر عن المتغيرات التي تحدث على طول خط الصراع صعوداً أو نزولاً ، اذن نحن هنا أمام حقيقة منطقية يثبتها مايحصل على الأرض وهي الحقيقة الواقعية وعليه فإن المنطق والواقع يؤيدان هذه النتيجه وهي أن قصة العدل ليس له مصداق واقعي وهو هنا يتراوح مابين المحلي على مستوى الاسرة والمجتمع ، وخارجي على مستوى العلاقات بينالمجتمعات المتجاورة صعودا إلى العلاقات الدولية والتي تحكمها نفس قاعدة الصراع والتدافع لتحصيل الفارق والذي سيُنتج ظلما ولن ينتج عدلا ..

 الاسلام هو الحل

من المؤكد أن التفاوت بين الناس أمر طبيعي وهو إيجابي ومطلوب في جانبه البعيد عن الظلم بمعنى التفاوت وفق مقتضيات العدل والعدالة ذلك أن الطبقية ليست غاية ولا الفقر غاية وانما الفقر والطبقية حتمية يصنعها الإنسان من خلال الصراع على المواردلذلك فأن الإسلام يشير إلى الفقر باعتباره نتيجة غير عادلة يتحمل مسؤوليتها المجتمع عندما لايقوم بدوره لإزالة هذا الفارق (للفقراء حق في أموال الاغنياء..) لاحظ أنه حق بمعنىٰ أنه مسلوب منهم ك نتيجة لهذا الصراع غير العادل وعليه فإنهم مأمورون برد هذا الحق إلى أصحابه لكي تتحقق العدالة ولكن هل أن ذلك حصل أو سيحصل يوما ؟ طبعا المنطق والواقع لايشيران إلى ذلك حيث أن الجهة المسيطرة العلوية في المجتمع انما تمثل في حقيقتها الجهة الاخرى من المعادلة. والتي قبلت من قبل أن تستخدم كل الأدوات المتاحة. للحصول على المكاسب فكيف سترضى بالتخلي عنها ؟ اذن كيف يكون الاسلام حلاً لتحقيق العدل!؟ في الواقع عندما أقول إن الإسلام هو الحل بمعنىٰ أنه سيكون الحل في تحقيق العدل (إذا تمكن من الحكم) يعني اذا حصل على الفرصة الكافية للحكم ولكن عن اي حكم إسلامي نتحدث !!؟ ذلك الذي سيحقق العدل .. الَم يحكم الاسلام من قبل وفشل في كل مراحل الحكم في تحقيق العدل ؟! السؤال هنا هو هل فعلا حكم الاسلام من قبل ام حكم المسلمون بما ليس له علاقة بالإسلام؟ الا في مراحل قصيرة للغاية ولم يُمَكَن. واقعياً من الحكم بما تقتضيه عدالة الاسلام ،. اذن نحن هنا أمام مراحل من حكم المسلمين وليس حكم الاسلام . فالإسلام لاظلم فيه، وفي كل تلك المراحل كان المسلمون يمارسون الملك ولايمارسون العدل فلم يكن حكمهم يختلف عن حكم الاباطرة والأكاسرة ولم يكن همهم الا الاستحواذ على الأموال والأراضي والنساء لذلك فإنهم كانوا يمثلون نفس ذلك الطرف الشيطاني في معادلة الصراع الازلي بين الخير والشر ثم بعد ذلك وبعد سقوط ما تسمىٰ بالدولة الاسلامية وسقوط الممالك القديمة بدأت مرحلة النُظُم السياسية الحديثة، أمبراطوريات ودول مستعمرة تمثل نفس ذلك الطرف الشيطاني. في معادلة الصراع البشري. وجمهوريات وديكتاتوريات هزيلة. تظلم مجتمعاتها من اجل الامساك بالسلطة لأطول فترة ممكنة من ثم حروب بين الأقوياء حول مناطق النفوذ والأموال المسروقة. من المجتمعات الفقيرة لكي يزداد الفارق بين طرفي معادلة الظلم وصولا إلى مايمر به العالم من فوضى سياسية امنية واقتصادية والتي لابد أن تكون من نتائجها فوضى أخلاقية على كل مستويات الفعل الاجتماعي ومن ذلك ضياع المعيار الاخلاقي والعمل على جعل الرذيلة مثالاً يُحتذىٰ والفضيلةتهمةً تجر الأذىٰ وكل ذلك يُدار من قبل منظمات ومؤسسات تحمل عنوان الفضيلة وتستبطن الرذيلة، واي رذيلة اكبرمن شرعنةالظلم ونصرت الظالم على المظلوم عدى عن قائمة الرذائل التي تُنشر في المجتمعات لتخريب اللبنة الاساسية للمجتمعات وهي الاسرة وذلك بدفع المجتمع للتخلي عن البناء الطبيعي للاسرة واستبداله بمفاهيم أخرى ستؤدي بالمجتمع البشري إلى الانفلات الاجتماعي وتفكيك الروابط والتشجيع على حرية الارتباطات الشاذة التي لن تنتج أسر وأجيال جديدة وكل ذلك تحت عناوين براقة بدأت بالمطالبة بحقوق النساء بزعمهم وهم يعرفون أن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى مطالبات لاحقة تصل إلى حد انفلات المجتمع تحت هذه العناوين الزائفة، نحن في نهاية المطاف في مخطط الشيطان لذلك فإن الحل في العودة الى الله والى النظام الذي وعد الله به في اخر الزمان وهو التسليم بأن الانسان لايستطيع أن يصنع. نظاما عادلاً لكل الأرض وقد أخذ الإنسان فرصته كاملة في تحدي الارادة الالهية لإثبات أحقيته ولكنه اثبت في الواقع أنه قد فعل كل ما يريده الشيطان.

***

فاضل الجاروش

 

في المثقف اليوم