أقلام حرة

ما هي الحداثة!!

البعض يتغافلون عن تيار التغيير المتواصل الجريان في أعماق الأمة، التي ما توانت عن تحديث ما فيها، وتجديد أفكارها وإبداعاتها، فمسيرتها عبر العصور تخبرنا بثورات تحديث في الشعر والكتابة والخطابة والمعارف والعلوم.

تلك الثورات النابعة من ذاتها وجوهر ما فيها، ولم تستوردها من الغير، وإن تفاعلت معهم فأنها أوجدت ما يميزها.

وعطاء أبناء الأمة في مراحلها الحضارية، يُظهر التفوق الكبير على الأمم المعاصرة لهم، فلن تجدوا عندها أشعارا كالمعلقات الخالدة في وعي الأجيال، ولا كتابات ذات رونق خلاب، ولا خطابات بمستوى خطب المفوهين من أبنائها.

فما يحسبونه حداثويا تناولته الأمة وعبّرت عنه، والأمثلة في أبو نواس، أبو تمام، المتنبي، إبن المعتز، عبد الحميد الكاتب، وإبن المقفع، وما إنطلق في الأندلس وغيرهم.

والجاحظ لوحده ثورة إبداعية حداثوية لا تضاهى عند أمم أخرى، فالأمة تؤمن بالحداثة وتؤكدها في مسيرتها.

والفرق بين حداثتنا في الماضي والحاضر، أن الأجيال المعاصرة تعاني من الذين أوهموها بأن الحداثة أن تقطع الصلة عمّا أبدعته الأمة، وتنكر لغتها وشعرها وموروثاتها المعرفية، وتتماهى مع الثقافات الأجنبية وتقلدها، وتستنسخها، وترى المصدر الأجنبي المعيار لقيمة الإبداع.

وهكذا تجد بعض الأقلام تتمنطق بالحداثة وما بعدها، وهي مبتعدة عن جوهر ذات الأمة، وجذورها الراسخة في الكون الحضاري والإنساني، وتتوهم بأن الأغصان ستورق من غير ساق وجذور وتربة صالحة للإنبات.

فهذه حراثة في تربة لا تصلح لإنبات بذور مستوردة لغير بيئتها، وكأنها زراعة النخيل في القطب الشمالي؟

فلماذا يُسقى النبات بالدماء ويُمنع عنه الماء؟!!

الحداثة الحقيقية تنبثق من تربة وجودنا وتشرب من سلاف تراثنا الفياض!!

***

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم