أقلام حرة

فولتير في بغداد

احتفل العالم أمس السادس عشر من تشرين الثاني باليوم الدولي للتسامح، وفي هذه البلاد جربنا نظرية التوازن بديلاً عن التسامح، واستطعنا أن ندخل موسوعة غينيس بعدد الأكاذيب التي سطرها مسؤولو عن المواطنة وحب البلدان ، وقبل الاحتفال بمنجزاتنا في يوم التسامح احتفلنا أمس الأول بيوم بغداد، المدينة التي كانت تتصور أنّ الديمقراطية ستقدّم إليها ساسة يبدعون في الإعمار وإدارة شؤون البلاد أكثر من إبداعهم في فنون اللعب على الحبال.

في صباي أتذكر المرة الأولى التي قرأت فيها كتاباً بعنوان "التسامح" وكان من تأليف فيلسوف فرنسا الشهير فولتير، وأيضا كانت هي المرة الأولى التي أقرأ فيها عبارة هذا الفرنسي العنيد التي يقول فيها "قد أختلف معك في الرأي، ولكنني على استعداد أن أموت دفاعاً عن رأيك"، وساعرف آنذاك أن أفكار هذا الرجل وكلماته مهدت للثورة الفرنسية، وبعد سنوات سأكتشف أن العراقيين سبقوا العرب جميعاً في التعريف بهذا الفيلسوف، ففي عام 1923 يكتب الأب أنستاس الكرملي مقالاً عن فيلسوف التنوير، والمقال فيه شرح وافٍ لفكر فولتير وفلسفته ويسلط الكرملي الضوء على موضوعة قيمة العقل التي صبغت فلسفة فولتير. يقول الكرملي: "يجب أن تفكر أنت.. فكر لنفسك.. يجب أن تتشكك في كل مايقال لك.. إذا أخطأت فلأنني حاولت أن أعرف، وإذا عرفت فإنني أخطئ، لأن الذي عرفته قليل جداً، والذي لا أعرفه كثير جداً"، ثم يمضي الأب الكرملي يقول إن فولتير ولجرأة أفكاره اتهم بتضليل الشباب وإفساد الرأي العام والوقوف بوجه الدين، ويضيف: "إن فولتير هو الرجل الذي حول الغضب إلى سخرية، والذي حطم الأصنام"، وينقل الكرملي عن فولتير عبارته الشهيرة "إن الدول بكل أجهزتها وجبروتها لا تستطيع أن تقاوم سلاحاً يطلق النار في كل الاتجاهات اسمه "الكلمة". بعد ذلك ساعثر على مقال آخر للاب الكرملي فيه تلخيصاً لكتاب "رسالة في التسامح" حيث يقول الكرملي إن هذه الرسالة تعد من بين أهم ما كتب عن موضوعة التسامح بين الأفراد والمجتمعات ويخبرنا الكرملي أنه سيتفرغ لترجمة هذه الرسالة عن الفرنسية لما لها من أهمية للمجتمعات والشعوب العربية التي ترنو نحو السلم وبناء الأوطان، هكذا اكتشفت أننا، نحن العراقيون، سبقنا الجميع في الحديث عن فكرة التسامح والتي كانت جزءاً من تفكير العراقيين جميعاً قبل أن يلتهمهم حوت التعصب والطائفية. يكتب الرصافي عام 1921 "في الأستانة اطلعت على كتب الفيلسوف الذي شغل العصر فولتير ووجدت دعوته للفكر وإحكام العقل صدى في نفسي، حتى أنني نظرت إلى حال أهلنا في العراق وتمنيت عليهم أن يأخذوا بأفكار هذا الثائر". ولم يكن الرصافي يدري اننا سنعيش عصر سبعة مقابل سبعة .

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم