أقلام حرة

قال مترفوها!!

(وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقْتَدُونَ).

لفتني في هذه الآية المباركة أن الله تعالى قد اشار بشكل دقيق وواضح إلى المقصود من الآية في قضية الإتباع الاعمى وعدم تحكيم العقل في قبول أو رفض مايطرح من مستجدات تتعلق بالعقيدة وهم (المترفون) تحديدا، بعد ذلك عندما تأتي إلى تحليل النص وإسقاط دلالاته على الواقع فأنك ستجد أن تلك الإشارة وهذا التحديد غاية في المنطقية والواقعية لأن الأمر يتعلق (بالنمط والصراع الدائم بين طبقتين اجتماعيتين (الفقراء والمترفين) حول تحصيل المصالح، حيث أن الأنبياء والمرسلين مكلفين من الله بإقامة العدل أو الدعوة إلى العدل فضلا عن دعوة الناس إلى التوحيد في المقام الأول، ذلك أن توحيد الله من لوازمه طاعة الله تعالىٰ وطاعة الله من لوازمهاطاعة انبياءه ورسله ورسالاته التي على رأس ماجائت به هو إقامة العدل بين الناس ولأن الله تعالى إنما يبعث المرسلين عندما يكون (النمط السائد) على غير الإرادة الإلهيةفي بيئة يسود فيها الشرك بالله تعالى وما ينتج عن ذلك من ظلم وفقدان العدل وانقسام المجتمع إلى مترفين ومحرومين يصبح من المنطقي والواقعي. أن يدافع المترفون عن هذا النمط ويقولوا للنبي والنذير هذا ماوجدنا عليه آباؤنا ونحن على آثارهم !! لا لأنهم غير مقتنعين بأن هذا المرسل يمثل الحق وانما لأن هذا الحق يهدد النمط السائد الذي يضمن مصالحهم الدنيوية لذلك ستجدفي الطرف الآخر الفقراء هم غالبا من ينصر المرسلين،،،كذلك ليس لأنهم عرفوا الحق وانما لأنهم في صراع طبيعي ومنطقي لتغيير هذا النمط السائد الذي يمثل ضررا على مصالحهم،،،،، وهذا مايحدث حتى دون وجود دعوة نبي فالاغنياء والمترفون غالبا يقفون ضد أي ثورة لتغيير النظام السياسي،. لأن أي تغيير سيكون سببا لتغيير النمط السائد حتى ان كان فيه احتمال المنفعة لأن ذلك محتمل لكنه غير مضمون النتائج وستجد غالبا الفقراء في جانب الثورة حتى مع عدم ضمان نجاحها، لأنهم لايملكون شيئا ليخسروه ولأن أي تغيير للنمط السائد سيكون محتمل إيجابي بالنسبة لهم، من هنا كذلك نفهم منطقية ماجاء في الرواية التي تتحدث عن موقف المترفين زمن ظهور حجة الله الموعود في اخر الزمان بقولهم له. (ارجع يابن فاطمة لسنا بحاجة لك فأن ديننا ودنيانا بخير بخير، أنه قول يوضح أن المواقف من الحق غالبا لاتتعلق بمعرفة الحق أو عدم معرفته وانما مدى ملاءمة هذا الحق مع الارباح والخسائر المحتملة ......

دعوة النبي محمد ص مثالا

ان قراءة بسيطة للأحداث التي رافقت دعوة النبي محمد ص تُبين هذا المعنى بوضوح حيث أن جُل من وقف بالضد من الدعوة هم من مترفي قريش لذلك حاربوه بشتى الوسائل ووصفوف بالكاذب والساحر رغم شهادتهم له من قبل بأنه الصادق الامين، بينما تجد من نصره وآمن بدعوته هم الفقراء والعبيد لأن الدعوة بالنسبة لهم تعني تذليل الفوارق الاقتصادية والمعنوية بين الطبقتين،لذلك كان عنوان اعتراض هؤلاء المترفون هو أن هذا الدين يريد أن يساوي بيننا وبين من نملك من العبيد اذن الأمر في النهاية لايتعلق بالمعبود بالنسبة لهم وانما بما يترتب على هذا المعبود من نتائج في الواقع ..

المترفون هم الأقلية دائما

على أن هؤلاء المترفون الذين تشير إليهم الآية المباركة يمثلون دائما الأقلية في المجتمع والتي تستحوذ على رؤوس الأموال بغير حق لذلك يبقى غالبية المجتمع يعاني من الفقر، وعليه فأن كل الدعوات السماويةوحتى الحركات والثورات الأرضية. تشير إلى هذا الفارق بين الطبقتين وتضعه تحت عنوان الظلم وتدعوا الى المساوات في الحقوق وتضعه تحت عنوان العدل ..

إذا كان المترفون هم الأقلية فلماذا يقول الله تعالى (واكثرهم للحق كارهون)؟!

الحقيقة إن قول الله تعالى هنا يتحدث عن دائرة أوسع من العوامل التي تحدد الموقف من الحق أو من الباطل حيث أن عامل المصلحة يبقى عاملا حاسما الا أن ذلك لايمكن أن يكون حتميا من حيث النتائج على المستوى العام لأن الناس يتفاوتون في التعبير عن حاجاتهم، لذلك ستجد كثير من الفقراء أيضا يتخذون موقفا مخالفا للمنطق المتعلق بالمصلحة من جراء التغيير لأسباب سايكولوجية تتعلق بالخلفية الاجتماعية وارتداداتها في الواقع العملي، لذلك ظهر مصطلح (منطقة الارتياح) والتي تمثل نقطة الاستقرار لمن لايمتلك القدرة على تقديم خطوة إلى الأمام بصرف النظر عن النتائج المحتملة رغم أنه يقف في منطقة الحد الادنى من المحتملات الإيجابية والحد الأقصى من المحتملات السلبية فإذا كان ذلك وواقعيا فأن كثير جدا من طبقة الفقراء دائما يقفون في هذه المنطقة السلبية فيقفون موقف المتفرج من اي احتمال للتغيير بصرف النظر أن كان الداعي نبي مرسل أو مصلح اجتماعي أو ثائر.

***

فاضل الجاروش

 

في المثقف اليوم