أقلام حرة

الإبداع الخاص والعام!!

يشكو أحد الأخوة المبدعين من قلة المقروئية، ويلقي باللائمة على عامة الناس، ويكيل لهم ما يحلو له من الأوصاف السلبية، وينسى دوره وما يقدمه من كتابات ذات إطناب وإسهاب، وعمه في متاهات لا يلجها بقدرة خبيرة ووضوح مفيد.

ويمضي قائلا بأنه يتعب في نصوصه التي ينشرها، ولا يجد من يتكرم بإلقاء نظرة عليها،، ويضيف بعضهم قال لي بأن ما تنشره يقرأه بضعة أشخاص لا غير، والعديد مما يطبع لا يلاقي رواجا وينام في أقبية ظلماء، وأحيانا يرتقي إلى مرتبة الهدية المقبولة.

وحتى إذا أهديت كتابا فلن يتكرم المُهدى إليه بتصفحه.

قلت: وهل لديكَ تفسيرا لما يحصل في الواقع الثقافي؟

قال غاضبا: إنها الأمية والجهل وعدم الإهتمام بالثقافة ووو...

تأملت الحالة التي عليها الأخ المبدع، وهي صورة مصغرة لمعاناة معظم ذوي الأقلام، ورحت أفتش عن جواب.

فالواقع المعرفي يشير إلى أن الإبداع صار نخبويا أو خاصا ولا يعنيه عامة الناس، فالكاتب لا يتساءل لمن يكتب، وإنما يكتب ويغرق في ذاته التي تتورم مع كل سطر يدونه في القرطاس، أو الشاشة بضرباته على الكي بورد.

أجل الكاتب لا يتساءل عن القراء، وعمّن سيتفاعل مع ما كتبه، وينتهي به الأمر إلى أن قلة من الذين يسمون أنفسهم نخبا يتكرمون بقراءة شيئ من المكتوب، وهم يعرفون جيدا ، بأنهم يكتبون لبعضهم، ولا يكتبون للناس، ولا يتفاعلون مع الواقع الحقيقي، وإنما مع الواقع الذي  يحلقون فيه، ولهذا فالكتابة منقطعة عن الحياة الجارية فوق التراب.

ومن الأمثلة الشعر الذي ما عادت له قيمة ودور، لأن ما يكتب على أنه شعر محصور في زوايا نخبوية حادة جداً، يتبختر في مضايقها بعض المتوهمين بالقدرات المتميزة.

فلا منفعة ترتجى من كتابات مستوردة متماهية مع غير واقعها، تتحدث عن موضوعات مقطوعة عن هموم الناس، وغارقة في تحليقات طوباوية، وتسبح في سرابات الأوهام، وتحسب أنها تحلق فوق الغيوم.

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم