أقلام حرة

المشكلة الاقتصادية في العراق

كانت ولا زالت مسألة الأمن الغذائي تهدد واقع الحياة الاجتماعية والاقتصادية، بل وحتى السياسية في العراق، إذ أن دخل الفرد العراقي لم يرتق لدرجة الشعور بالاطمئنان على اكتساب القوت اليومي المعتدل داخل نفس كل فرد من ابناء الشعب العراقي، أو شريحة واسعة منه، خصوصا المتقاعدين والموظفين من ذوي الدرجات الوظيفية الصغرى. ومع أستمرار اعتماد الحكومات المتعاقبة على النفط في اقتصاد الدولة الريعي، وعدم الاهتمام بقطاعات اقتصادية واسعة مثل الزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار والبناء، والفشل في وضع حد لعجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات العراقي وكبح جماح التضخم، تبقى أزمة العراق الاقتصادية تهدد أمنه واستقراره وتنقص من سيادته، ليأخذ دوره الريادي بين الامم.

أن الانتاج الوطني لأي دولة سواءا كان سلعا أو خدمات، والمتحقق بمواردها الاولية الوطنية هو الاهم في تحقيق إزدهار الدولة ومدى تطورها، وليس استقرار الاسعار الذي لا يمثل أولوية في تحقيق ذلك، لأنه يعتمد اعتمادا كليا على قلة واردات الدولة، فكلما قلت الواردات وكثرت الصادرات كان ذلك عنصرا حاسما ومعززا في استقرار الاسعار. وكلما ازدادت الواردات وقلت الصادرات، كلما شهدت الاسواق تذبذبا في الاسعار وتشهد بذلك زيادة مضطردة احيانا كثيرة، وهذا ماشهدته اسواق العراق في الثمانينات جراء الحرب مع ايران، وكذلك الحال في وقت الحصار الذي فرضته قوى الهيمنة الامريكية على العراق في التسعينات، حيث ارتفعت معدلات التضخم لحدود لم يشهدها العراق في تأريخه طيلة اكثر من خمسة عقود مضت.

مع تسجيل ارقام عالية في فائض الموارد المالية المتحصلة من مبيعات النفط العراقي خصوصا في حالة ارتفاع اسعار النفط الخام في الاسواق العالمية، إلا أن اقتصاد العراق يبقى يعاني من مشكلة الحفاظ على الامن الغذائي لعدم وجود التخطيط السليم والتوجه الاستراتيجي للحكومات المتعاقبة والتي كانت تفتقر الى رؤية استراتيجية تهدف الى النهوض باقتصاد البلد إلى مستوى يمكن معه العمل على رفع الانتاج الوطني والمحافظة على استقرار الاسعار في الاسواق المحلية وتعزيز مستوى دخل الفرد. ومع تلك الارقام العالية لموازنات الحكومات، إلا أن الشعب العراقي لم يلمس أي بارقة أمل في معالجة أمنه الغذائي الذي يهدده الفساد الاداري والمالي المستشري في عموم المؤسسات الحكومية، نتيجة السياسات الخاطئة التي تعتمدها الاحزاب في تقاسم موارد البلد كغنائم فيما بينها سعيا منها لافقار الشعب وزيادة مدخولاتها الخاصة في الانفاق على اتباعها في الداخل والخارج، عبر سن تشريعات كرواتب وهبات ومنح أو في تقديم الرشى بالانتخابات العامة، أو من خلال عمليات غسيل الاموال وتهريبها لحساباتهم الخاصة المسجلة بأسماء اقرباءهم في المصارف العالمية بالخارج او في شراء عقارات خارج العراق، أو من خلال تبذير المال العام على مؤتمرات تعقد لتلميع صورهم أمام الرأي العام، او عطايا تقدم لدول معينة لكي تعمل على دعم ذلك الشخص وتؤثر في بقاءه على رأس السلطة. أن الحل في الحفاظ على اقتصاد متوازن وقوي في العراق هو في العمل على ايجاد صندوق لدعم الاجيال، وبناء مؤسسات قادرة على تنفيذ خطط جادة تعمل بحرص على رفع القدرة الشرائية للدينار العراقي وتمتين اقتصاده من خلال زيادة الصادرات غير النفطية وتوسعة مشاركة القطاع الخاص في نهضة صناعية تشمل عموم البلاد وتعزيز أهمية دعم  المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجالات الزراعة والصناعة وتحسين فرص الاستثمار وقطاع السياحة الذي يمكن ان يكون القطاع الاهم في رفد الاقتصاد الوطني لما يلعبه في توظيف عدد كبير من الشباب وتوفير موارد اقتصادية للبلد وبناء بنى تحتية تدر الاموال بدون رأس مال وطني.

***

ضياء الهاشم

في المثقف اليوم