أقلام حرة

هل أن الدين وراثة؟

من الأمور التي يتم تداولها بين الناس هذه الأيام ويتم من خلالها الطعن على المتدين هو أن الأديان انما هي موروثات اجتماعية وليست خيارات عقلانية، والواقع أن هذا الطعن في ظاهره صحيح إلى حد ما إذا أخذنا بالاعتبار

واقعية مقدمات هذا القول، لأن كل مُعتقَد بالنتيجة مرتبط واقعيا بالبيئة التي ينشأ فيها المُعتَقِدوفق القاعدة المنطقية التي تقول ان (الإنسان ابن بيئتهِ) على أن ذلك غير مقتصر على المعتقدات الدينية وانما هي قاعدة تسري على كل المُنتج الاجتماعي فمن ينشأ في بيئة دينية مسيحية أو يهودية سينشأ مسيحيا أو يهوديا ومن ينشأ في بيئة إسلامية سينشأ مُسلما سُنيا أو شيعيا أو غير ذلك من المذاهب المهيمنة على بيئة النشأة ومن يجد نفسه في بيئة بوذية أو هندوسية أو سيخية أو الحادية سيكون حتما على عقيدة الجماعة التي وجد نفسه يعيش بينها .. اذن لماذا نحن المسلمون لانقبل بهذا الطعن !!؟ ساتكلم في مايخص موقف الاسلام من هذه الجزئية التي تمثل عُقدة تبدو مُحكَمة العَقدْ.. الحقيقة أن هذه الحتمية الوجودية... المتعلقة بالمُلازمة بين النشأة والاعتقادفيها وجهين ...

الأول: يتعلق بمرحلة حتمية استقبال الموروث، والتي تمثل الفعل اللاارادي للطفل في أول مراحل التمييز.. من خلال تأثير السلوك الاجتماعي. للأسرة والبيئة الاجتماعية.. من دون التدخل القسري للمحيط... فالإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر.. بعد ذلك يتطور شكل التعاطي بشكل طردي بين هذا الطفل.. والمحيط الذي يعيش فيه ..حيث يظهر ذلك على شكل اسئلة جوهرية.. يطرحها هذا الطفل بشكل مبكر.. رغم أنها تبدوا كأنها اسئلة بريئة ولكنها في الواقع ليست كذلك... فإنها تعبر عن وعي فطري ....وعن بداية رحلة المعرفة والتعلم،.. ستمتد هذه الفترة وتتطور مع تقدم العمر.. وتطور الوعي وصولا إلى سن الرشد..

في الاسلام

سن الرشد = سن التكليف

من هذه النقطة الفاصلة بين مرحلة الموروث الاجتماعي ... في مرحلة ماقبل الرشد وبين مرحلة فحص هذا الموروث في سن الرشد تبدأ مرحلة غاية في الدقة حيث يكون الإنسان مُحَمَّلا بالإرث الاجتماعي وبين التكليف الذي يفرض حاكمية العقل في التعاطي مع هذا الموروث قبولا أو رفضا او نقضا ، لأنه في الواقع سيكون مكلفا بذلك فالإيمان في أصله قرارا عقليا وليس قرارا عاطفيا. أو موروثا اجتماعيا وكذا كل مراتب العقيدة المترتبة على قبول الإيمان بالخالق من مثل الإيمان بالغيب والملائكة والنبيين...

السؤال المهم هنا والذي سيكون محل اهتمام وهو هل أن العقل البشري مؤهل اصلا لتفكيك هذه المعادلة بين مرحلتين يُفتَرض أنهما متناقضتين!!؟. الاولى منهما مرحلة ترتكز على البعد العاطفي المهيمن على ردود الأفعال الطفولية والتي في غالبيتها لاتمثل الإرادة الحرة بدليل أن الله لايرتب عليها أثرا تكليفيا. وبين مرحلة أخرى ترتكز على البعد العقلي الحاكم على خيارات صاحبه والذي تكون فيه إرادة الإنسان حرة، لذلك يكون تحت وطأة التكليف ثوابا أو عقابا ثمنا لهذه المِنحة التي تتمثل بالعقل الواعي الذي سيكون الإنسان فيه محجوجا به أمام الله.

في الواقع أن المطلوب من هذا العقل الواعي أن يعالج ويتعاطى مع ثِقَل هذاالحمل الموروث لمعرفة مدى قدرة هذا العقل في تحديد الفوارق بين مايُعقل وما لايعقل وذلك راجع إلى مقدار إرادة النفس بالانحياز للأحكام العقلية والابتعاد والانفلات من الأحكام العاطفية التي تثقل كاهله مع التأكيد على أن هذا العقل لابد أن يحكم بادواته دون الانصياع لرغبات النفس أو أن يكون تحت طائلة العوامل الخارجية باختلاف أشكالها فإن حكم العقل بعدم عقلانية موروث بعينه في قضية محددة دون أن يكون لرغبات النفس أو التأثير الخارجي أثرا فأن على هذا الراشد المكلف أن يهمل ذلك الموروث ويتبع صوت العقل وعلى هذا المبنىٰ العقلي ستكون رحلةالإنسان في مرحلة الرشد التي لن تبقي للموروث سلطة فوقية تُخل بالإيمان في أسسه المنطقية. بعد ذلك سيصبح الموروث الديني موروثا فيه مايصح وفيه مالايصح بحسب قاعدة الفحص.. بعد ذلك ستكون مؤمنا عاقلا ومتعاطفا مع ماتؤمن به ....

أنها رحلة في الطريق سيصل فيها من يصل بحسب تفعيل ادوات العقل وهو قرار شخصي حيث ايضا ستجد من ينظر إلى الطريق ولايخوض فيه بحجة عدم المعرفة ولكن الحقيقة هي عدم وجود إرادة الحركة باتجاه المعرفة والاكتفاء بتدوير وتأطير سلوكيات محددة تشعرهم بالرضا وعدم الحاجة للتعلم ، لذلك يتجمع هؤلاء المكتفين بما ورثوه عن ابائهم تحت عناوين عاطفية في السراء والضراء ..

***

فاضل الجاروش

 

في المثقف اليوم